وقد ترك الانحطاط الاقتصادي والمعماري للجيتو أثراً عميقاً في وجدان يهود شرق أوربا ووسطها القاطنين فيه، وعمق انفصالهم عن العالم الخارجي. وقَدم عصر النهضة وعصر الإصلاح الديني، ثم عصر الاستنارة في أوربا، واليهود داخل أسوار الجيتو الاقتصادية والوجدانية، فكان معظم أعضاء الجماعات اليهودية من يهود شرق أوربا معزولين عن الثقافة العامة لا يدرسون إلا التوراة والتلمود والمدراش، ولا يقتربون البتة من تاريخ الأغيار، إذ كان كل ما يعنيهم هو تاريخ اليهود كما جاء في كتب اليهود المقدَّسة.
وكانت الجيتوات التي أفرزت الصهيونية، والتي تهمنا أكثر من غيرها، موجودة أساساً في شرق ووسط أوربا. وقد لخص ديفيد فرايدلندر المقدَّرات الفكرية لطالب المدرسة التلمودية العليا أو مثقف الجيتو في القرن التاسع عشر الميلادي على النحو التالي: كان في إمكان مثل هذا الطالب أن يفتي إن كان من الواجب رجم أو حرق ابنة الحاخام الزانية، ولكنه في الوقت نفسه كان لا يعلم شيئاً عن تاريخ البلد الذي يعيش فيه.
وكان جهل الحاخامات، وهم القيادة الثقافية للجماعة، مزرياً جداً، إذ كانوا لا يعرفون أكثر من أن اتجاه القدس هو نحو الشرق وحسب، كما ورد في بعض الكتب الدينية. ولذا، كان حاخامات بولندا يخطئون في تحديد اتجاه القدس فيتجهون شرقاً. وكانت القدس، في الواقع، تقع نحو الجنوب (بالنسبة إلى موقعهم) . وحينما نُشر أول كتاب في الجغرافيا بالعبرية عام ١٨٠٣، اشتكى المؤلف من أن كثيراً من الحاخامات لا يزالون ينكرون وجود أمريكا.