وبعد أن عرضنا المنظومات المختلفة عند تشومسكي (المعرفية واللغوية والأخلاقية والسياسية) ، وقبل أن نعرض لآرائه في الأداء السياسي في أنحاء العالم، قد يكون من المفيد أن نتوقف عند بعض التناقضات العميقة التي تسم فكره. فتشومسكي فوضوي ملتزم بالعلم والتكنولوجيا (ولهما منطقهما الرياضي الحتمي الصارم الذي يتجاوز حرية الأفراد وأغراضهم) . وهو يؤمن بأن عقل الإنسان حر بسبب الأنساق الكامنة فيه ولكنه يعود ويسميها «برنامج» و «شفرة» . وهو يقف بشدة ضد الرأسمالية والسوق الحر باسم الدفاع عن الحرية، ويتعاطف مع التخطيط العقلاني الذي يعني ضرورة اكتشاف القواعد وتطبيعها كما يعني المزيد من الترشيد. وهو يرى أن الأسرة مؤسسة يتم فيها تلاقي الإنسان بأخيه الإنسان في إطار من التراحم، ولكنه يرى أن الكيبوتس (المبني على تصفية الأسرة لصالح التنظيم الجماعي) أكثر المؤسسات مثالية. وهو فوضوي يؤمن بالتلقائية الكاملة وبصوت الشعب، ولكن حين سألته ماذا لو أخطأ الشعب، رد قائلاً:"لابد إذن من توجيهه" (فقلت له: "من أي منظور؟ ومن يعطينا هذا الحق؟ ") .