كما أن عملية تخليق الإجماع التي تقوم بها المؤسسات الحكومية وغير الحكومية قد حققت نجاحاً منقطع النظير، إذ تَحوَّل المواطن العادي في الغرب إلى إنسان مُنمَّط مُدجَّن مطوَّع لا توجد في عقله أية بنَى داخلية ثابتة ولا حاجات جوانية ذات صفة ثقافية أو اجتماعية، ولذا فهو إنسان مرن طيِّع تماماً؛ قادر على التَحوُّل والتلون يسهل تشكيل سلوكه من خلال سلطة الدولة أو مدير الشركة أو التكنوقراطية أو اللجنة المركزية (إنسان يذكرنا بالإنسان ذي البُعد الواحد عند ماركوز وغيره من فلاسفة مدرسة فرانكفورت) ، وبذا يتم تهميش الجماهير وتبقى السلطة في يد الدولة والشركات والخبراء.
ويؤمن تشومسكي، شأنه شأن فلاسفة مدرسة فرانكفورت، بنظرية التلاقي. فهو يرى أنه لا يوجد فارق كبير بين الاتحاد السوفيتي (سابقاً) والولايات المتحدة الأمريكية. فالخلاف الوحيد بينهما أن الإمبريالية السوفيتية كانت تمارس نشاطها داخل حدودها (فالاتحاد السوفيتي كان دولة مترامية الأطراف) ، بينما ذراع الولايات المتحدة تمتد خارج حدودها في أرجاء العالم كافة. وفي إطار هذا التلاقي، يشير تشومسكي إلى النظام الذي نشأ في العالم الغربي بعد عصر النهضة باعتباره «نظام ما بعد كولومبوس»(مكتشف أمريكا) أي أنه نظام واحد، ويصفه بأنه نظام مبني على القرصنة والنهب.