للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و «لأن رجلاً قُتلَ في زحامٍ في زمنِ عمرَ رضي الله عنه فلم يُعرف قاتله. فقال علي رضي الله عنه لعمر: يا أميرَ المؤمنين! لا تطل دم امرئٍ مسلم. فأدّى ديته من بيت المال» (١).

ولأن المسلمين يرثون من لا وارث له. فَيَعْقِلُون عنه عند عدم عاقلته؛ كعصبته ومواليه.

وعن الإمام أحمد: لا يؤخذ من بيت المال شيء؛ لأن بيت المال فيه حق للنساء والصبيان والمجانين ومن لا عقل عليه. فلم يجز صرفه فيما لا يجب عليهم.

ولأن العقل على العصبات وليس بيت المال عصبة ولا هو كعصبة.

وظاهر كلام المصنف رحمه الله في المغني تصحيح هذه الرواية؛ لأنه ذكر أدلة الأولى وأجاب عن إرث المسلمين بالمنع. وأن صرف المال إلى بيت المال إنما هو على أنه فيء، ولهذا يؤخذ من مال من لا وارث له من (٢) أهل الذمة.

وأما كون القاتل لا شيء عليه على المذهب إذا لم يمكن الأخذ من بيت المال؛ فلأن الدية لزمت العاقلة ابتداء. بدليل أنه لا يطالب بها غيرهم ولا يعتبر رضاهم. فلم يجب على القاتل؛ لأنه غير من وجبت عليه.

وأما كونه يحتمل أن تجب في مال القاتل؛ فلعموم قوله تعالى: {وديةٌ مسلمةٌ إلى أهله} [النساء: ٩٢].

ولأن قضية الدليل وجوبها على الجاني جبراً للمحل الذي فوّته، وإنما سقط عنه لقيام العاقلة أو بيت المال مقامه في الجبر. فإذا لم يوجد ذلك بقي واجباً عليه بمقتضى الدليل.

ولأن الأمر دائر بين أن يبطل (٣) دم المقتول وبين إيجاب ديته على المتلف. والأول لا يجوز لأن فيه مخالفة الكتاب والسنة وقياس أصول الشريعة فتعين الثاني.

ولأن إهدار الدم المضمون لا نظير له، وإيجاب الدية على القاتل خطأ له نظائر، وذلك في الصور التي ذكرها المصنف رحمه الله:


(١) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (٢٧٨٤٨) ٥: ٤٤٥ كتاب الديات، الرجل يقتل في الزحام. نحوه.
(٢) في أ: ومن.
(٣) في أ: يظل.

<<  <  ج: ص:  >  >>