ذلك وقالوا: لو ثبت على قبلتنا لَكُنّا نرجو أن يكون صاحبنا الذي ننتظره، وطمعوا في رجوعه إلى قبلتهم.
وقوله:{وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ} يعني: أنهم مع اتفاقهم على مخالفتك، مختلفون في شأن القبلة، لا يرجى اتفاقهم، كما لا ترجى موافقتهم لك، وذلك أن اليهود تستقبل بيت المقدس، والنصارى مطلع الشمس، فأخبر عز وجل عن تصلب كل حزب فيما هو فيه، وثباته عليه، فالمحق منهم لا يزل عن مذهبه لتمسكه بالبرهان، والمبطل لا يقلع عن باطله، لشدة شكيمته في عناده، خلا من أمن أهل الكتاب، فقوله:{مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ} أي: ما تبعوا ذلك.
وأشارت الآية: إلى أنهم وإن لم يؤمنوا بك، فإن كل طائفة منهم لا تتبع دين الطائفة الأخرى، فاليهودي لا يتنصر، والنصراني لا يتهود، فكل منهم إذا ترك دينه، إما أن ينتقل عنه إلى الإِسلام، وإما إلى الزندقة وطرح الأديان بالكلية، كما جرى منهم سابقًا، ونشاهده الآن في زمننا.
ثم لما كان دينهم قد نسخ، أعلم سبحانه بأن ثباتهم على قبلتهم مع ذلك مجرد هوى، فقال منفرًا للأمة عنهم، بخطاب الرأس، ليكون ذلك أدعى لقبول الأتباع:
{وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ} الآية، خصه بالنهي دون غيره، لما ذكرنا، ولأن كل من أنعم الله عليه أكثر، كان صدور الذنب منه أقبح، فكان أولى بالتخصيص، ولأن مزيد الحب يقتضي التخصيص بمزيد التحذير؛ وعلى كل، فهذا الكلام وارد على سبيل الفرض والتقدير، بمعنى:{وَلَئِنِ} اتبعتهم مثلًا بعد وضوح البرهان وحقيقة الأمر، {إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ}، المرتكبين الظلم الفاحش.
وفي ذلك لطف للسامعين، وزيادة تحذير واستفظاع لحال من يترك الدليل بعد إنارته، ويتبع الهوى، وفي ذلك أيضًا تهييج وإلهاب للسامعين من المؤمنين على الثبات.
وقد دلت الآية: على أنه لا ينبغي لأحد من الأمة، مخالطة أهل الكتاب