وقوله:{وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} خصه بعض المفسرين بقطع الرحم، وليس الأمر على التخصيص، وإنما معناه العموم، فيشمل قطع الرحم التي منع الله من الظلم في ترك أداء ما ألزم من حقوقها، وأوجب من برها ووصلها أداء الواجب لها إليها من الحقوق التي أوجب لها، والتعطف عليها بما يحق التعطف به عليها، ويشمل الذم أيضًا لكل قاطع قطع ما أمر الله بوصله، فإن الله تعالى أمر بوصل حبل المؤمنين فيما بينهم، فقال:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات: ١٠]، فكل من سعى في بتّ هذا الحبل، ونقض هذا الميثاق بين المؤمنين يشمله الذم، بحكم هذه الآية. ولكل من سعى بالتفريق بين اثنين، أو بين جماعة، بغيبة أو نميمة أو احتيال وغير ذلك من طرق التفريق، ولكل من احتال على أكل أموال الناس بالباطل، لأن الله تعالى أمر بالوصلة بين ما يملكه الإنسان وبينه، فلا يفرق بين المالك وملكه إلا بحق، والمتحيل كل أموال الناس بالباطل والمتسلط على ذلك، قاطع ما أمر الله به أن يوصل، ولكل من سعى في قطع طريق خير، لأنه لا فرق بين من يقطع السابلة على المارة، وبين من يعرقل المساعي في الأعمال الخيرية، ولكل من اختلس المدارس والمساجد وأوقافها، لأن المدارس ونحوها سبب لإِيصال العلم إلى المتعلمين، وقد أمر الله بها بتلك الوصلة، فالساعي في اختلاسها قاطع لما أمر الله أن يوصل، إلى غير ذلك مما يعلمه من أمعن النظر في هذه الآية، وهي شاملة أيضًا لما يفعله أهل الكتاب من قطعهم ما بين الأنبياء من الوصلة والاتحاد والاجتماع على الحق، في إيمانهم ببعض، وكفرهم ببعض.
وما ذكرناه آنفًا داخل في عموم قوله تعالى:{وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ}، لأنه ما من خصلة ذميمة، إلا ويصدق عليها أنها فساد في الأرض.
{أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} الإشارة فيه ترجع إلى المتصفين بالأوصاف المذكورة في الآية ومعناه: أن الذين اتصفوا بذلك هم الخاسرون، لأنهم استبدلوا النقض بالوفاء، والقطع بالوصل، والصلاح بالفساد، وعقابها بثوابها، فخسروا دنيا وأخرى، فكانوا كمن خسر في تجارته بأن يوضع من رأس ماله في بيعه، فكذلك