للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قالوا: {ثُمَّ دَنَا}: إشارةٌ إلى مَقامِ نفْسِه، {فَتَدَلَّى}: إشارةٌ إلى مَقامِ قلبِه، {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ}: إشارةٌ إلى مقامِ رُوحِه، {أَوْ أَدْنَى}: إشارةٌ إلى مَقام سِرِّه، فكانت نفْسُه في مَقامِ الخِدْمة، وقلبُه في مَقام المَحَبَّة، ورُوحُه في مَقامِ القُرْبة، وسِرُّه في مَقامِ المُشاهدة، وكانت حياةُ نفْسِه بالخدمة، وبقاءُ قلبِه بالمحبَّة، وقيامُ رُوحِه بالقُرْبة، وغذاءُ سِرِّه بالمشاهدة، ولو نظَرَتْ نفْسُه إلى الكون لَبَقِيَتْ بلا خِدْمةٍ، ولو نظَرَ قلبُه إلى نفْسِه لَبَقِيَ بلا مَحَبَّةٍ، ولو نظَرَ رُوحُه إلى قلبه لَبَقِيَ بلا قُرْبَةٍ، ولو نظَرَ سِرُّه إلى رُوحه لَبَقِيَ بلا مُشاهدةٍ.

وسُئِلَ أبو الحسين النُّورِيُّ عن هذا المقام، فقال: لم يَسْعَ فيه جبريلُ، فمَن النُّوريُّ؟!

ثم قال: {دَنَا}: يكونُ في أفهامنا بَعْدَ البُعْدِ ولا بُعْدَ ثَمَّ، {فَتَدَلَّى}: يكونُ في مكانٍ ولا مَكانَ ثَمَّ، {فَكَانَ}: عبارةٌ عن زمانٍ ولا عِبارةَ ثَمَّ ولا زمانَ، {قَابَ}: إشارةٌ إلى مِقْدارٍ ولا إشارةَ ثمَّ، {قَوْسَيْنِ}: مِثالٌ ولا مِثالَ ثَمَّ، {أَوْ}: كلمةُ شَكٍّ ولا شَكَّ ثَمَّ، {أَدْنَى}: مُبالغةٌ في أنه أدنى مِن دانٍ آخَرَ ولا دانٍ معه ثَمَّةَ، فقد قصُرَتْ عنه العلوم، وطاشَتْ عنده الفُهوم، ولم يكنْ لأهلِ المعرفة أنْ يذكُروا فيه شيئًا إلا أنْ قالوا: معناه: دنا عبدًا فتدلى فَرْدًا، دنا مَكِّيًّا فتدَلَّى مَلَكِيًّا، دنا قُرَشِيًّا فتدَلَّى عَرْشِيًّا، دنا مُجاهِدًا فتدَلَّى مُشاهِدًا، دنا طَالِبًا فتدلَّى واصِلًا، دنا ومعه الزَّحْمَةُ فتدَلَّى ومعه الرَّحْمةُ، دنا افتقارًا فتدلَّى افتخارًا، دنا مُنادِيًا فتدَلَّى مُناجِيًا، دنا مادِحًا فتدَلَّى مَمْدوحًا، دنا شاكِرًا فتدَلَّى مَشْكورًا.

وقيل: أحدُهما صفةُ اللَّهِ تعالى، والآخَرُ صفةُ محمد، ومعناه: كان هو يتقرَّبُ واللَّهُ يُقَرِّبُه، وكان هو يتكلَّمُ واللَّهُ يَسْمَعُه، وكان هو يسألُ اللَّهَ واللَّهُ يُعطِيه، وكان هو يَشْفَعُ واللَّهُ يُشَفِّعُه، وكان هو ينظُرُ في آياتِ اللَّه واللَّهُ ينظُرُ في آدابِ رسولِ اللَّه.