للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال: "فرَكِبْتُها، فكانت إنْ ترَكْتُها سارَتْ، وإنْ حرَّكْتُها طارتْ، خَطْوُها مَدُّ البَصَرِ، والملائكةُ أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي" (١).

ثم كان في الطَّريقِ أعاجيبُ، وفي بيت المَقْدِس رأى النبيين وأَمَّهم، وبَشَّروه في أُمَّتِه بكل خيرٍ، ثم صَعِدَ إلى السماء، ورأى في كلِّ سماءٍ أعاجيبَ وجماعةً مِن الرسل، ورقَّاه اللَّهُ إلى ما رَقَّاه، ولَقَّاه ما لَقَّاه، وأراه ما أراه، وخَصَّه بقُرْبٍ لم يكن لأحدٍ قَبْلَه، ولا يكونُ لأحدٍ بَعْدَه، وهو قولُه تعالى: {فَاسْتَوَى (٦) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى}، أي: على طرف الكون.

{ثُمَّ دَنَا}: قيل: أي: دنا مِن كرامةِ اللَّه، ولم يُرِدْ به قُرْبَ المكانِ، فإنَّ اللَّهَ تعالى مُنَزَّهٌ عن المكان، خلَقَ كلَّ مكانٍ، ولا حاجةَ له إلى مكانٍ، وإنما هو قُرْبُ المَنْزِلَةِ والدَّرَجة والكرامة والزُّلْفَة.

{فَتَدَلَّى}: أي: سجَدَ للَّهِ تعالى؛ لأنَّه قال: "وجدتُ ما وجدتُ بالخِدْمة فأزيدُ في الخِدْمة، وفي السَّجْدة وعدُ القُرْبةِ، فأزدادُ قُرْبًا على قُرْبٍ، وحُبًّا إلى حُبٍّ" (٢).

فانتهى إلى مكانٍ لم يَدْرِ الكونُ أين قدَمُه، ولم تَدْرِ قدمُه (٣) أين نفْسُه، ولم تَدْرِ نفْسُه أين قلبُه، ولم يَدْرِ قلبُه أين روحُه، ولم تَدْرِ روحُه أين سِرُّه، فكأنَّ الكونَ يطلُبُ قَدَمَه، وقَدَمَه تطلُبُ نفْسَه، ونفْسَه تطلُبُ قلبَه، وقلبَه يطلُبُ رُوحَه، ورُوحَه تطلُبُ سِرَّه.


(١) لم أقف عليه، لكن قوله: "خطوها مد البصر" رواه بلفظه الحميدي في "مسنده" (٤٤٨)، والبزار في "مسنده" (٢٩١٥)، من حديث حذيفة رضي اللَّه عنه. وروى معناه البخاري (٣٨٨٧)، ومسلم (١٦٤)، من حديث مالك بن صعصة: ". . ثُم أُتيتُ بدابَّة أبيضَ، يقالُ له: البُرَاقُ، فوق الحمار، ودون البغل، يقعُ خَطْوُه عند أَقْصَى طَرْفه. . ".
(٢) لم أقف عليه.
(٣) في (ف): "القدم".