للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يعني: أنَّ المؤمنين يُقِرُّون له طَوْعًا، والكافرون يُقِرُّون له بما جبَلَهم عليه مِن الخِلْقَة الدَّالَّة على وحدانيَّةِ اللَّه تعالى، وانفرادِه بالخَلْقِ، واستحقاقِ العبادةِ دون غيرِه، فالخَلْقُ كلُّهم بهذا له عابِدون، وعلى هذا قولُه: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الرعد: ١٥]، وقولُه تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} [الإسراء: ٤٤]، وقولُه: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} على معنى: ما يُوجَدُ منهم مِن دلائلِ الحُدوثِ المُوجِبَةِ لكونها مَرْبُوبةً مَخْلُوقةً مُسَخَّرةً.

وقال مجاهد: {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}: أي: إلا لِيَعْرِفون (١)، وكلُّ الجنِّ والإنسِ يَعْرِفون اللَّهَ اضطرارًا، لا يكفُرُ به إلا مُعانِدٌ، فهم مَخْلُوقون لِيَعْبُدُوه؛ أي: لِيَعْرِفوه، وقد عرَفوه، ومَن أظهَرَ غيرَ ذلك فهو كاذِبٌ (٢) على نفْسِه.

وقال بعضُهم: {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}: في فِطْرَتِهم؛ لأنَّ ذلك فِطْرَتُهم إلَّا أنْ يَبْعُدوا (٣) عنه بالشُّبَهِ (٤) والتَّلْبيسِ.

وقال عليٌّ رضي اللَّه عنه: {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}: أي: إلَّا لآمُرَهم أنْ يَعْبُدون (٥)، ويُؤَيِّدُه قولُه تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا} [التوبة: ٣١]، وقولُه تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: ٥].


(١) رواه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (١٥٠٦). وذكره الثعلبي في "تفسيره" (٩/ ١٢٠)، والبغوي في "تفسيره" (٧/ ٣٨٠).
(٢) في (ف): "كافر كاذب".
(٣) في (أ) و (ف): "إلى أن ينقلوا" بدل: "إلا أن يبعدوا".
(٤) في (ر): "بالتشبيه".
(٥) ذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" (٩/ ١٢٠)، ومكي بن أبي طالب في "الهداية" (١١/ ٧١٠٩)، والواحدي في "البسيط" (٢٠/ ٤٦٦)، والسمعاني في "تفسيره" (٥/ ٢٦٤)، والبغوي في "تفسيره" (٧/ ٣٨٠)، وغيرهم. ووقع في النسخ: "الا أن آمرهم. . . "، والمثبت من المصادر.