للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ورُوِيَ عن عليٍّ رضي اللَّه عنه أنه قال: لَمَّا نزلَ: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ} لم يَبْقَ أحدٌ منا إلا أيقَنَ بالهلَكَةِ؛ إذ أُمِرَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنْ يتولَّ عنهم، حتى نزل: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}: فطابَتْ أنفسُنا (١).

وقال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: لَمَّا نزلَتْ هذه الآيةُ حَزِنَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مَخافةَ أنْ يَنْزِلَ بقومه العذابُ، وشَقَّ على أصحابه مَخافةَ أنْ يكون قد انقطَعَ عنهم الوحيُ، فنسَخَتْها آيةُ القتالِ (٢).

وقال الإمامُ القُشَيريُّ: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}: ذَكِّرِ العاصِين عُقوبَتي لِيَرْجِعوا عن مُخالفَةِ أمري، وذكِّرِ المُطِيعين جزيلَ ثوابي لِيَزدادوا طاعةً وعبادةً لي، وذَكِّرِ العارفين ما صَرَفْتُ عنهم مِن بلائي، وذَكِّرِ الأغنياءَ ما أبحتُ لهم مِن إحساني وعَطائي، وذَكِّرِ الفقراءَ ما أوجبْتُ لهم بصَرْفِ الدنيا عنهم، وأعددتُ لهم مِن لقائي (٣).

* * *

(٥٦) - {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}.

وقولُه تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}: قال ابنُ عباس رضي اللَّه عنهما: إلا لِيُقِرُّوا لي بالعُبوديَّةِ طَوْعًا أو كَرْهًا (٤).


(١) رواه الطبري في "تفسيره" (٢١/ ٥٥٢)، والواحدي في "الوسيط" (٤/ ١٨١)، والبيهقي في "الكبرى" (١١٦٥٠)، والضياء المقدسي في "المختارة" (٢/ ٣٣٦).
(٢) ذكره مختصرا الواحدي في "الوسيط" (٤/ ١٨٠)، وفي "البسيط" (٢٠/ ٤٦٤).
(٣) انظر: "لطائف الإشارات" (٣/ ٤٦٩).
(٤) رواه عنه الطبري في "تفسيره" (٢١/ ٥٥٤). وذكره الثعلبي في "تفسيره" (٩/ ١٢٠)، ومكي بن أبي طالب في "الهداية" (١١/ ٧١١٠)، والماوردي في "النكت والعيون" (٥/ ١٧٣).