للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقولُه تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ}: أي: قالت طائفةٌ منهم: {آمَنَّا}.

واختُلِفَ فيهم، والأظهرُ أنهم كانوا مُنافقين قالوا: {آمَنَّا} لِيُلْحِقَهم رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بمراتبِ المؤمنين المُخْلِصين، فأَطْلَعَ اللَّهُ نبيَّه عليهم (١)، فقال:

{قُلْ} لهم: {لَمْ تُؤْمِنُوا}: أي: لم تُصَدِّقوا بقلوبكم {وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}؛ أي: استَسْلَمْتم لِخوفِ القتل، فقولوا: {أَسْلَمْنَا}؛ أي: خَضَعْنا وانْقَدْنا.

{وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}: أي: ولم يدخُلْ، و (ما) صِلَةٌ.

قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: نزلت الآيةُ في نفَرٍ مِن بني أسَدِ بنِ خُزيمةَ، قدِموا على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينةَ في سَنَةٍ جَدْبَةٍ، فأَظْهَروا شهادةَ أنْ لا إلهَ إلا اللَّهُ، ولم يكونوا مؤمنين في السِّرِّ، فأفسَدوا طُرُقَ المدينة بالعَذِراتِ، فأَغْلَوا أسعارَهم، وكانوا يَغْدُون ويَرُوحون على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويقولون: أتَتْكَ العربُ بأنفسها على ظُهور رواحِلها، وجئناكَ بالأثقال والذَّراري، فيُريدون الصَّدَقَةَ، ويقولون: أَعْطِنا، ويَمُنُّون على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأنزل اللَّهُ تعالى هذه الآيةَ (٢).

وقال قتادةُ: واللَّهِ ما عَمَّتِ الأعرابَ؛ لأنَّ مِن العَرَبِ مَن يؤمِنُ باللَّه واليوم الآخر، ولكنْ كانوا حيًّا مِن أحياء العرب يَمُنُّونَ بإسلامهم على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالوا: آمنَّا ولم نُقاتِلْكَ كما قاتلَكَ بنو فُلانٍ وبنو فُلانٍ، فأنزل اللَّهُ هذه الآيةَ (٣).

وقال السُّدِّي: نزلَتْ في الأعراب الذي ذكرَهم اللَّهُ في سورة الفتحِ، وهُم


(١) في (أ): "على غيبتهم"، وفي (ف): "على عيبهم".
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٩/ ٨٩)، والبغوي في "تفسيره" (٧/ ٣٤٩)، والواحدي في "الوسيط" (٤/ ١٥٩)، والزمخشري في "الكشاف" (٤/ ٣٧٧).
(٣) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" (٢٩٤٣)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (٥٨٩)، والطبري في "تفسيره" (٢١/ ٣٩١).