للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

طعَنَ عليه أو ظَنَّ به سوءًا أو اغتابَه، فذلك راجِعٌ إلى إِزْرائِه به، ولا يُزري بغيره إلا لِفَضْلٍ يُقَدِّرُه لِنفْسِه عليه، فبيَّنَ لهم أنَّهم مُتساوون في الأصل، فقال: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ}: وهذا نداءٌ عامٌّ، {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى}: وهما آدمُ وحَوَّاءُ، فكُلُّكم أولادُ أبٍ واحدٍ وأُمٍّ واحدةٍ.

{وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا}: جَمْعُ شَعْبٍ، {وَقَبَائِلَ}: جَمْعُ قَبيلةٍ.

قال الزُّبَيرُ بن بَكَّارٍ: العربُ على ستِّ طبَقاتٍ: شَعبٌ، وقَبيلةٌ، وعِمارةٌ، وبَطْنٌ، وفَخْذٌ، وفَصيلةٌ، فالشَّعْبُ يجمعُ القبائلَ، والقَبيلةُ تَجْمَعُ العَمائر، والعِمارةُ تجمَعُ البُطونَ، والبطنُ يجمَعُ الأَفْخاذَ، والفَخْذُ يجمَعُ الفصائلَ، فمُضَرُ شَعْبٌ، وربيعةُ شَعْبٌ، ومَذْحِجٌ شَعْبٌ، وحِمْيَرُ شَعْبٌ، وسُمِّيَت شُعوبًا لأنَّ القبائلَ انشَعَبَتْ منها، فكنانةُ قَبيلةٌ، وقُرَيْشٌ عِمارةٌ، وقُصَيٌّ بَطْنٌ، وهاشمٌ فَخْذٌ، والعبَّاسُ فَصيلةٌ (١).

{لِتَعَارَفُوا}: أي: فعَلْنا كذلك لِتَقَعَ المعرفةُ بذلك، لا لِتُفاخِروا بها، فإنْ أردتُّم ذلك فهو بالتَّقْوى، وهو قوله تعالى:

{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}: لا تخفى عليه ظواهرُكم وبواطنُكم.

وقال ابنُ عمرَ رضي اللَّه عنه: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في خُطْبَتِه يومَ الفَتْح: "إنَّ اللَّهَ تعالى أذهَبَ عنكم عُبِّيَّةَ (٢). . . . . . .


(١) انظر: "المؤتلف والمختلف" للدارقطني (٣/ ١٥٥٤)، و"غريب الحديث" للخطابي (٢/ ٤٦٠)، و"الأنساب" للسمعاني (١/ ١٨)، و"كشف المشكل" لابن الجوزي (٤/ ٢٠٧)، و"المفهم" لأبي العباس القرطبي (٧/ ٢٨٦).
(٢) يعني: الكبر، وتضم عينها وتكسر، وهي "فُعُّولة" أو "فِعِّيلَة"، فإن كانت الأول فهي من التعبية؛ لأن المتكبر ذو تكلف وتعبية، وإن كانت الثانية، فهي من عُباب الماء، وهو أوله وارتفاعه. انظر: "النهاية" لابن الأثير (٣/ ١٦٩).