للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ}: يقال: دعا إلى الشيء دُعاءً، ودَعوةً بفتح الدال، فالأول (١) مطلَقُ المصدر، والثاني: المرةُ منه، والدُّعوة بالضم: المأدُبة، والدِّعوة بالكسر: ادعاءُ الولد، وتداعَتِ الحيطان: تهادمت، من هذا مجازًا.

والدعاءُ في القرآن لمعانٍ، واختُلف في المذكور هاهنا؛ فقيل: {ادْعُوا}؛ أي: أَحْضِروا، وقيل: أي: استَعينوا (٢)، وقال الشاعر في الاستعانة (٣):

وقبلَكَ رُبَّ خَصْمٍ قد تمالَوا... عَلَيَّ فما جَزِعْتُ ولا دعوتُ (٤)

ونظيرُه في القرآن قولُه تعالى: {وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ} [القصص: ٦٤]، وقولُه تعالى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} [العلق: ١٧]، وقولُه تعالى: {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا} [فاطر: ١٨].

وهذا أمرُ إعجازٍ كقوله: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ} وبيَّن أن الاستعانة هاهنا بالخلق الكثير لا تُغنيهم شيئًا، وما يُغني (٥) رجوعُ المحتاج إلى المحتاج، واعتمادُ الفقير على الفقير، والْتِجاءُ العاجز بالعاجز؟ فلا ترفَعْ حوائجك إلا إلى مَن لا يَشُقُّ عليه قضاؤها، ولا تَسأل إلا مَن لا تَفْنى خزائنُه، ولا تعتمِدْ إلا على مَن لا يعجز عن شيءٍ.

يَنصرُك من غيرِ مُعينٍ، ويحفظُك من غيرِ صاحبٍ، ويُغنيك من غيرِ مالٍ، فيَقِلُّ عَددُ (٦) الأعداءِ الكثيرُ إذا حمَاك، ويَكْثُر عددُ المالِ القليلِ إذا كَفَاك.


(١) في (ف): "والأول".
(٢) في (ف): "استغيثوا".
(٣) في (ف): "الاستغاثة".
(٤) البيت لسِنَان بن الفَحْل أخي بني أم الكَهْف من طيِّئ، كما في "الحماسة" بشرح التبريزي (١/ ٢٣١).
(٥) بعدها في (أ): "من".
(٦) في (ف): "أعداد".