للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} الآية (١)، وفيه تعليمٌ لهم أن الواجب عليهم أن ينفر إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قومٌ يتعلَّمون ثم يرجعون إلى مواضعهم فيعلِّمون أولئك.

قال: وفي الآية دليلُ سقوط الجهاد عن الجماعة إذا قام به البعض.

وفيها دلالةُ لزوم العمل بخبر الآحاد (٢) وإن احتمَل الغلط؛ لأن الطائفة تحتمِل اجتماعهم على الكذب أو الغلط، ثم ألزمَ قومهم قبول خبرهم (٣).

وقال القشيري رحمه اللَّه: المسلمون على مراتب: فعوامُّهم كالرعية للملك، وكتبةُ الحديث كخُزَّان الملك، وأهلُ القرآن كحفَّاظ الدفاتر ونفائس الأموال، والفقهاءُ بمنزلة الوكلاء للملك؛ إذ الفقيهُ يوقِّع عن اللَّه تعالى، وعلماءُ الأصول كالقوَّاد وأمراء الجيوش، والأولياء كأركان الباب، وأربابُ القلوب وأصحابُ الصفا كخواصِّ الملك وجلسائه، فيشتغل كلُّ قوم بحفظ أركان الشرع، وآخرون بإمضاء الأحكام، وآخَرون بالردِّ على المخالِفين، وآخرون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجُعل قومٌ مفردِين بحضور القلب وهم أصحابُ الشهود، وليس لهم شغل، يراعون مع اللَّه أنفاسهم وهم أصحاب الفراغ، لا يستفزُّهم طلب ولا يهزُّهم أربٌ (٤)، فهم باللَّه للَّه بمحوٍ [عن] ما سوى اللَّه، وأما الذين يتفقَّهون في الدين فهم الداعون إلى اللَّه، وإنما يُفهِم الخلقَ عن اللَّه إذا كان يَفهم عن اللَّه (٥).

* * *

(١٢٣) - {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}.

وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ}: أي: يَقْربون


(١) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٥/ ١١١)، والبغوي في "تفسيره" (٤/ ١١٢)، عن الكلبي.
(٢) في (ر): "الواحد".
(٣) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٥/ ٥١٠ - ٥١١).
(٤) في (أ): "يهزهم أمن" وفي (ف): "يهزهم أمر"، وفي (ر): "يهمهم أمر"، والمثبت من "اللطائف".
(٥) انظر: "لطائف الإشارات" (٢/ ٧٣)، وما بين معكوفتين منه.