للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [يقول]: حتى يعلموا ما أنزل اللَّه على نبيِّهم ويعلِّموه السرايا إذا رجعت إليهم لعلهم يحذرون (١).

وذكر الإمام أبو منصور رحمه اللَّه هذا القول وقولًا آخر عن بعضهم: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا خرج للغزو خرجوا جميعًا معه، فتبقى المدينة خاليةً من الرجال، فنهَى اللَّه عن ذلك وقال: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فهلا نفر من كلِّ عشيرة قومٌ ليتفقَّهوا في الدين من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ولينذروا قومهم أهلَ المدينة إذا رجع المتفقِّهون إليهم لعلهم يحذرون.

وقيل: {وَلِيُنْذِرُوا}؛ أي: وليُخْبروا الكفَّار المقيمين بالمدينة بما نصَر اللَّه به رسولَه وقهر أعداءه، وليحذَر الكفارُ عن أن ينالَهم كذلك فيُسلموا، وإليه ذهب الحسنُ وابن كيسان، وقالا: نسخت هذه الآية ما قبلها: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ} -صلى اللَّه عليه وسلم- (٢).

وهذه الآيةُ في الظاهر بخلافِ قوله: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} ولكنَّ التوفيق بينهما: أن النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا خرج وفي أصحابه قلةٌ فعلى الاخرين أن يخرجوا معه، وإذا خرج وفي أصحابه كثر قعد البعض لحفظ المدينة والأهل والولد.

وقيل: أحدهما إذا عمَّ النَّفيرُ والآخر إذا لم يعمَّ.

وذكر أيضًا قولًا ثالثًا: أنه في الوفود القادمين من الآفاق للتعلُّم (٣).

وقد رُوي أن حيًّا من بني أسد بن خُزيمة أصابتهم سنةٌ وشدةٌ، فأقبلوا بالذراري معهم والصِّبية حتى نزلوا المدينة، وأفسدوا طرقها بالعَذِرات وأَغلوا أسعارها، فنزلت:


(١) رواه الطبري في "تفسيره" (١٢/ ٧٧)، وما بين معكوفتين منه.
(٢) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٥/ ٥٠٦).
(٣) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٥/ ٥٠٨ - ٥٠٩).