للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ذكَر اللَّه مما خلِّفْنا عن العزو، وإنما هو تخليفُه إيانا وإرجاؤه أمرَنا عمَّن حلف له واعتذر إليه فقَبِل منه (١).

* * *

(١١٩) - {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}.

وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}: أي: القائلين بالحقِّ العامِلِين به، و: {مَعَ الصَّادِقِينَ} في معنى: من الصادقين، أو: في الصادقين؛ لأن (مع) هو للمصاحبة، و (في) للوعاء، و (من) للتبعيض، فإذا كانوا في جملتهم فهم على المعاني الثلاثة.

وقيل: هذا أمر للصحابة رضوان اللَّه عليهم إذا خرجوا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يتَّقوا مخالفتَه، وأن يكونوا على مذهبِ مَن يستعمل الصدق في أقواله وأفعاله، وهو من قولك: أنا مع فلان؛ أي: على مذهبه.

وقيل: معناه: اتَّقوا اللَّه في الدنيا لتكونوا مع الصادقين في الجنة في العقبى، من قول اللَّه تعالى: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ} الآية [النساء: ٦٩]، وطريقُه طريقُ قولك: ائتني وخُذْ كذا؛ أي: لتأخذَ كذا.

وفي قصة كعبٍ التي سُقناها ما يدلُّ على أن الآية نزلت في المجاهدين، فقد قال اللَّه تعالى فيهم: {وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}، وليس هو مجرَّدَ القول، بل هو التحقيقُ في الإيمان، قال اللَّه تعالى: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [محمد: ٢١] وقال تعالى: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: ٢٣]، فكان معنى الآية: ولا تعودوا إلى التخلُّف عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في مغازيه لتكونوا قد صدَقْتُم في إيمانكم.


(١) رواه البخاري (٤٤١٨)، ومسلم (٢٧٦٩)، وما بين معكوفتين منهما.