وقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}: أي: القائلين بالحقِّ العامِلِين به، و:{مَعَ الصَّادِقِينَ} في معنى: من الصادقين، أو: في الصادقين؛ لأن (مع) هو للمصاحبة، و (في) للوعاء، و (من) للتبعيض، فإذا كانوا في جملتهم فهم على المعاني الثلاثة.
وقيل: هذا أمر للصحابة رضوان اللَّه عليهم إذا خرجوا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يتَّقوا مخالفتَه، وأن يكونوا على مذهبِ مَن يستعمل الصدق في أقواله وأفعاله، وهو من قولك: أنا مع فلان؛ أي: على مذهبه.
وقيل: معناه: اتَّقوا اللَّه في الدنيا لتكونوا مع الصادقين في الجنة في العقبى، من قول اللَّه تعالى:{فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ} الآية [النساء: ٦٩]، وطريقُه طريقُ قولك: ائتني وخُذْ كذا؛ أي: لتأخذَ كذا.
وفي قصة كعبٍ التي سُقناها ما يدلُّ على أن الآية نزلت في المجاهدين، فقد قال اللَّه تعالى فيهم:{وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}، وليس هو مجرَّدَ القول، بل هو التحقيقُ في الإيمان، قال اللَّه تعالى:{فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ}[محمد: ٢١] وقال تعالى: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}[الأحزاب: ٢٣]، فكان معنى الآية: ولا تعودوا إلى التخلُّف عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في مغازيه لتكونوا قد صدَقْتُم في إيمانكم.
(١) رواه البخاري (٤٤١٨)، ومسلم (٢٧٦٩)، وما بين معكوفتين منهما.