للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فقام إليَّ طلحةُ بن عبيد اللَّه يهرولُ حتى صافحني وهنَّأني، واللَّه ما قام إليَّ رجل من المهاجرين غيره، ولا أنساها لطلحة.

قال كعب: فلما سلَّمْتُ على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو يَبْرُق وجهُه من السرور: "أبشر بخير يومٍ مرَّ عليك منذ ولدَتْكَ أمُّك" قلتُ: أمِن عندك يا رسولَ اللَّه أم مِن عند اللَّه؟ قال: "لا، بل من عند اللَّه"، وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا سُرَّ استنار وجهه كأنه قطعةُ قمر، وكنَّا نعرف ذلك منه، فلما جلست بين يديه قلتُ: يا رسول اللَّه، إن من توبتي أن أنخلعَ من مالي صدقةً إلى اللَّه تعالى وإلى رسوله، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أمسِكْ عليك بعضَ مالك فهو خيرٌ لك"، قلتُ: إني أمسكُ سهمي الذي بخيبر، فقلتُ: يا رسول اللَّه، إنما نجاتي بالصدق، وإنَّ من توبتي ألَّا أحدِّث إلا صدقًا ما بقيتُ، فواللَّه ما أعلم أحدًا من المسلمين أبلاه اللَّه تعالى من صدقِ الحديث منذ ذكرتُ ذلك لوسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أحسنَ مما أبلاني، ما تعمَّدتُ منذ ذكرتُ ذلك لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى يومي هذا كذبًا، وإني لأرجو أن يحفظَني اللَّه تعالى فيما بقيتُ.

فأنزل اللَّه تعالى على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} إلى قوله: {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}، فواللَّه ما أنعمَ اللَّه عليَّ من نعمةٍ قط بعد أن هداني للإسلام أعظمَ في نفسي من صِدقي رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنْ لا أكونَ كذَبْتُه فأَهلِكَ كما هلك الذين كذَبوا، فإن اللَّه تعالى قال للَّذين كذَبوا حين أَنزل الوحيَ شرَّ ما قال لأحد، قال سبحانه: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ} إلى قوله: {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}.

قال كعب: وكنَّا تخلَّفنا [أيها الثلاثة] عن أمر أولئك الذين قبِل منهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حين حلفوا له فبايَعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرَنا حتى قضى اللَّه تبارك وتعالى فيه، فلذلك قال اللَّه تعالى: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} وليس الذي