للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}: أي: المصدِّقين بأن رؤيتك في الآخرة بالوعد، ولا وعد في الدنيا، ومعنى الأوَّل؛ أي: أولُ أهلِ هذا الزمان؛ لإظهارك (١) ذلك لنا الآن، وإنما أَخْفَى عليه إلى الآن أنه لا يعطي الخلقَ رؤيته في الدنيا مع جوازها؛ ليوجَد منه سؤالُ الرؤية بناءً على معرفته جوازَها؛ ليتحقَّق جواز الرؤية بسؤاله ذلك، فيصيرَ حجةً قاطعةً لأهل الحق على المنكِرين ذلك من أهل البدعة.

وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: وتَعلَّق نُفاةُ الرؤية بظاهرِ قوله (٢): {لَنْ تَرَانِي} أنه نفَى ذلك بـ (لن) وهو للتأبيد، وحملوا سؤال الرؤية على وجوهٍ باطلة:

منها: أنهم قالوا: معنى قوله: {أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ}؛ أي: أرني آيةً قاطعةً أراها.

ومنها: أنهم قالوا: لم يسأل رؤيةَ اللَّه تعالى لنفسه، بل لقومه حيث قالوا: {أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} [النساء: ١٥٣].

ومنها: أنهم قالوا: خفيَ عليه أنه يُرى أو لا يُرى، فسأل ذلك ليَعلم.

والجواب: أن نقول: أمَّا (لن) فهو نفيُ قدرته على رؤية اللَّه تعالى مدةَ الدنيا؛ لأنه جواب سؤاله، وسؤالُه كان في حقِّ رؤية الدنيا، ومثلُه قولُه تعالى: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} [البقرة: ٩٥] ثم هذا التأبيدُ في الدنيا؛ فإنهم يتمنَّونه في العقبى؛ قال تعالى خبرًا عنهم: {يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} [الحاقة: ٢٧]؛ أي: الموتَ، وقال: {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: ٧٧].

وقولهم: إنه سأل الآية.

قلنا: قد كان أَراه الآيات الكثيرةَ قبلها، وأَراه أيضًا في ذلك المكان دكَّ الجبلِ،


(١) في (ف): "لإظهار".
(٢) في (ف): "بقوله" بدل: "بظاهر قوله".