للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: اتَّقى الشِّركَ فعرفَ، ثمَّ اتَّقى الحرامَ فانصرف، ثمَّ اتَّقى الشُّحَّ فآثرَ وما أسرفَ.

وقال: الأوَّلُ للعوامِّ؛ {اتَّقَوْا} الشِّركَ والمعاصي، {وَآمَنُوا} بأنَّ الأمرَ (١) والنَّهي للَّه، والثاني للخواصِّ؛ {اتَّقَوْا} المنعَ، {وَآمَنُوا} بالخلف؛ أي: اللَّه يُخلِف (٢)، والثَّالثُ: لأشرافِ الخواصِّ، {اتَّقَوْا} شهودَ الخلق، {وَأَحْسَنُوا} العملَ للَّه، فالإحسانُ أنْ تَعبدَ اللَّه كأنَّك تَراه (٣)، {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} أعمالًا، والمحسنين أحوالًا، والمحسنين آمالًا (٤).

قال ابنُ جريج: إنَّ أبا عبيدة كان بالشام، فوجدَ أبا جندل بنَ سُهيل بنِ عمرو، وضرارَ بنَ الخطَّابِ المحاربيَّ، وأبا الأزور، وهم مِن أصحابِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد شَرِبوا الخمرَ، فقال أبو جندل: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا}، فكتب أبو عبيدة إلى عمرَ: إنَّ أبا جندلٍ خاصَمني بهذه الآية، فكتب عمرُ: إنَّ الذي زَيَّن لأبي جندلٍ الخَطيئةَ هو الذي زيَّنَ له الخصومةَ، فاحددهم، فقال أبو الأزور: أتَحدُّنا؟! قال: نعم، قال: فدعْنا نَلقى العدوَّ غدًا، فإنْ قُتلنا فذاك، وإن رَجعنا إليك تَحدُّنا (٥)، فلقوا العدوَّ، فاستُشهِدَ أبو الأزور، وحُدَّ الآخران، وكتب عمرُ إلى أبي جندل: إنَّ الذي زَّين لكَ الخطيئةَ، حظرَ عليك التَّوبةَ: {حم (١) تَنْزِيلُ


(١) في (ف): "بالأمر" بدل من "بأن الأمر".
(٢) قوله: "أي اللَّه يخلف" من (ف).
(٣) رواه البخاري (٥٠)، ومسلم (٩) من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه، وأخرجه مسلم (٨) من حديث عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه.
(٤) انظر: "لطائف الإشارات" (١/ ٤٤٦ - ٤٤٧).
(٥) بعدها في (ر): "قال: نعم".