للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال مقاتل: لمَّا نَزلَت الآيةُ في تحريمِ الخمر، قال حُيَيُّ بنُ أخطب: فما حالُ مَن ماتَ مِنكم وهم يَشربونها، فذكر المسلمون ذلك لرسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقالوا: إخواننا ماتوا وقتلوا وهم يشربونَها، فأنزل اللَّهُ هذه الآية (١).

وقال ابنُ كيسان: لمَّا نزلَ تحريمُ الخمر، قال أبو بكر الصِّدِّيقُ رضي اللَّه عنه: يا رسول اللَّه، كيف بإخوانِنا الذين ماتوا وقد شَربوا الخمرَ، وأكلوا القمار؟ وكيف بالغائبين عنَّا في البلدان، لا يَشعرون أنَّ اللَّهَ تعالى حرَّم الخمرَ، وهم يَطعَمونها؟ فأنزل اللَّه تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} مِن الأموات والأحياء في البلدان إثمٌ {فِيمَا طَعِمُوا} من الخمرِ والقِمار (٢).

وقوله تعالى: {إِذَا مَا اتَّقَوْا} (٣) ما حرَّم اللَّه عليهم سواهما، وقيل: اتَّقوا الشِّركَ، {وَآمَنُوا} باللَّه {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} في إيمانهم، {ثُمَّ اتَّقَوْا} يعني: الأحياءَ في البلدان الخمرَ والقِمار إذا جاءَهم تحريمُها، {وَآمَنُوا} صدَّقوا بتحريمها، {ثُمَّ اتَّقَوْا} ما يُحرَّمُ عليهم بعد هذا بنصٍّ يَرِدُ في التحريم لبعض ما أُحِلَّ لهم، {وَأَحْسَنُوا} فيما تعبَّدهم اللَّه به، {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} فهذا معنى الأمر بالتَّقوى ثلاثًا في هذه الآية.

وقال بعضُ أهل المعرفة: {إِذَا مَا اتَّقَوْا}؛ أي: الشِّركَ، {آمَنُوا} باللَّه وحدَهُ، {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا} في أعمالِهم الصَّالحة عن شهودِ الخَلْق، {وَآمَنُوا} بأنَّ اللَّهَ يَعلمُ السِّرَّ والعلانيةَ، {ثُمَّ اتَّقَوْا} إعجابَ النَّفسِ؛ ليتحقق بذلك منهم الإحسان، {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.


(١) انظر: "تفسير مقاتل" (١/ ٥٠٢ - ٥٠٣).
(٢) انظر: "التفسير البسيط" للواحدي (٧/ ٥١٥).
(٣) بعدها في (ف): "وآمنوا أي اتقوا ".