للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(٢٦٤) - {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}.

وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} تعلَّقت المعتزلةُ بظاهر هذه الآية في أنَّ الكبيرةَ تُحبِط الطاعات، وتُخلِّد صاحبَها في النار، وهي حجَّةٌ عليهم لا لهم، فإنَّ اللَّهَ تعالى خاطَبَهم بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فبقيَ اسمُ الإيمان لهم (١)، وأخبر أنَّ الحسناتِ يُذهبنَ السيئات، فأمَّا في هذه الآية فهي بيانُ أنَّ الصدقةَ إذا كان معها مَنّ أو أذًى لم تكن صدقةً حقيقةً وإنْ تراءت صدقةً، فإنَّ الصدقةَ ما يُبتغَى بها وجهُ اللَّه تعالى، وهذا كقول النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يَقبلُ اللَّهُ صلاةً بغير طُهورٍ، ولا صدقةً مِن غُلولٍ" (٢) ليس أنَّها بغير طُهورٍ صلاةٌ، ومِن الغلولِ صدقةٌ، ثم لا تُقبل، بل ذاك ليس بصلاةٍ ولا صدقةٍ.

وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: إنَّما تُحمل (٣) المنَّة مِن الحقِّ سبحانه، فأمَّا مِن الخلق فليس لأحدٍ على غيره منَّةٌ، وإنَّ تحمُّل المننِ مِن المخلوقين أعظمُ محنة، وشهودَ المنَّة مِن اللَّه تعالى أعظمُ نعمةً، قال قائلهم:

ليس إجلالك الكبارَ بِذُلٍّ... إنَّما الذُّلُّ أنْ تُجِلَّ الصِّغارا (٤)

وقوله تعالى: {كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}: بيَّن أنَّ مَن


(١) "لهم" من (ر).
(٢) رواه مسلم (٢٢٤) من حديث ابن عمر رضي اللَّه عنه.
(٣) في (ف): "تحمد"، والمثبت موافق لما في "اللطائف".
(٤) انظر: "لطائف الإشارات" (١/ ٢٠٤).