للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(١٥٦) - {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}.

وقوله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ} وقيل: هو نعتُ {الصَّابِرِينَ}، وإعرابه النَّصب. وقيل: هو ابتداءٌ، وجوابُه: {أُولَئِكَ}، {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} تامٌّ، وعليه وقفٌ، وهو أكثرُ فائدةً، وأبلغُ في الكرامة، وهو البشارةُ بنفسِ الصَّبر، وهو صفةُ مدحٍ تامَّة.

وقوله تعالى: {أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ} أي: نالتهُم بليَّةٌ، والإصابةُ ضِدُّ الإخطاء (١)، قال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "واعلم أنَّ ما أصابَك لم يكن ليُخطِئَكَ، وما أخطأك لم يكن ليصيبك" (٢)، والمصيبةُ اسمٌ لكلِّ حادثةٍ مكروهةٍ من نقصانٍ وفواتٍ (٣) ونحو ذلك.

وقوله تعالى: {قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} وهي كلمةُ تسليمٍ، ومعنى {إِنَّا لِلَّهِ}؛ أي: أنفسُنا للَّه، وهو يَتصرَّفُ في ملكه، فلا اعتراضَ عليه؛ إذ لو كانت المصيبةُ بذهاب أنفسِنا، لم يكن لنا أن نجزعَ، فكيف وهي في أموالِنا أو أحبائنا؟ أو نحن (٤) عبيد اللَّه، والعبدُ وما في يدِه لمولاه (٥)، فإن شاءَ بقَّاهُ في أيدينا، وإن شاء استردَّهُ منَّا، فلا نجزعُ بأخذِ ما هو ملكُه، بل نصبرُ، فإن عشنا فعليه رزقُنا، وإن متنا فإليه مردُّنا، وعنده ثوابُنا، وهذا معنى قوله: {وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}.

وقيل: أي: {إِنَّا لِلَّهِ} عبيدٌ (٦) أحياء وأمواتًا، {وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} إنْ رضينا بقضائِه استوجَبنا ثوابَه، وإن لم نرضَ بقضائِه استوجبنا عقابَه.


(١) في (ف): "الخطأ".
(٢) رواه أبو داود في "سننه" (٤٦٩٩)، وابن ماجه في "سننه" (٧٧) من حديث أبي بن كعب رضي اللَّه عنه.
(٣) في (ر): "نقص وقوام"، وفي (ف): "نقصان" بدل: "نقصان وفوات".
(٤) في (أ): "ونحن".
(٥) في (ف): "للَّه مولاه".
(٦) في (ر): "عبيدا".