وقد أجمل الإمام جمال الدين السرمري القول في هذا الأصل، ولم يتطرق -فيما وفقت عليه من كتبه- إلى الذين تخبطوا فيه كما هي الحال عند من يسمون بـ"فلاسفة الإسلام" الذين أنكروا حقيقة الملائكة، وزعموا أنها خيالات وأشكال نورانية يتخيّلها النبي في نفسه، وهي مجردات ليست داخل العالم ولا خارجه، ولا فوق السماء، ولا تحتها، وليست موصوفة بالصعود، ولا النزول، وليس لها تدبير البتة، ولا تتكلم، ولا تنتقل من مكان إلى مكان ... ونحو ذلك؛ وإنما ذكر السرمري بعضاً من أخبار الملائكة كما دلت عليها النصوص من الكتاب أو السنة, والتي تتضمن إيمانه بوجودهم حقيقة، وما ثبت من أسمائهم وصفاتهم وما وكلوا به من أعمال، وأنهم أحياء ناطقون، لا كما تزعم الفلاسفة.
فمن ذلك قوله في الإيمان بإسرافيل - عليه السلام -، وأنه الموكل بالنفخ بالصور:
"وينفخ إسرافيل في الصور نفخة ... لصعق وأخرى فيه ينفخ للنشر"(١).
ومن ذلك ذكره لخبر الملائكة السيارة، فقال في فضل مجالسة أهل الذكر:
"عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة فُضلاً يتتبعون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلساً فيه ذكرٌ قعدوا معهم، وحف بعضهم بعضاً بأجنحتهم، حتى يملؤوا ما بينهم وبين السماء الدنيا، فإذا افترقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء، قال: فيسألهم الله - عز وجل - وهو أعلم، من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عباد لك في الأرض، يسبحونك ويكبرونك ويهللونك ويحمدونك ويسألونك، قال: وماذا يسألوني؟ قالوا: يسألونك جنتك، قال: وهل رأوا جنتي؟ قالوا: لا يا رب، قال: فكيف لو رأوا جنتي؟ قالوا: ويستجيرونك، قال: ومم يستجيرونني؟ قالوا: من نارك يارب، قال: وهل رأوا ناري؟ قالوا: لا، قال: فكيف لو رأوا ناري؟ قالوا: ويستغفرونك، قال: فيقول: قد غفرتُ لهم، وأعطيتهم ما سألوا، وأجرتهم مما استجاروا، قال: فيقولون: رب فيهم فلانٌ عبدٌ خطّاء، إنما مر فجلس معهم، قال: فيقول: وله