للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفَسَّر كتاب الله تعالى مدة سنين من صَدْره أيام الجُمَع، وكان يتوقَّد ذكاءً، وسماعاتُه من الحديث كثيرة، وشيوخه أكثر من مئتي شيخ، ومعرفته بالتفسير إليها المُنْتَهى، وحِفْظُه للحديث ورجاله وصِحَّته وسَقمِه فما يُلْحق فيه، وأما نَقْلُه للفِقه ومذاهب الصَّحابة والتابعين -فضلًا عن المذاهب الأربعة- فليس له فيه نظير، وأما معرفته بالملل والنِّحَل والأصول والكلام فلا أعلم له فيه نظيرًا، ويدري جُمْلَةً صالحة من اللُّغة، وعربيته قويةٌ جِدًّا، ومعرفته بالتَّاريخ والسِّيَر فَعَحَبٌ عجيب، وأما شجاعتُه وجهادُه وإقدامه فأمر يتجاوز الوصفَ ويفوق النَّعتَ، وهو أحد الأجواد الأسخياء الذين يُضْرب بهم المَثَل، وفيه زُهْد وقَنَاعةٌ باليسير في المأكل والمَلْبَس.

وقال الذَّهبي في موضع آخر: كان آيةً في الذكاء وسُرْعة الإِدراك، رأسًا في مَعْرفة الكتاب والسُّنَّة والاختلاف، بحرًا في النَّقليات، هو في زمانه فريد عَصْره عِلْمًا وزُهْدًا وشجاعةً وسخاءً، وأمرًا بالمعروف، ونهيًا عن المنكر، وكثرة تصانيف.

إلى أن قال: فإن ذُكر التفسير فهو حامل لوائه، وإن عُدَّ الفقهاء، فهو مجتهدهم المُطْلق، وإن حَضَر الحُفَّاظ نَطَقَ وخَرِسُوا، وسَرَد وأبلسوا، واستغنى وأفلسوا، وإن سمِّي المتكلِّمون فهو فَرْدُهم، وإليه مَرْجعهم، وإن لاح ابنُ سينا يَقْدُم الفلاسفة فلسهم (١) وتيَّسَهُم (٢)، وهَتَك أستارهم،


(١) في "العقود الدرية": ٢٤، "فلَّهم".
(٢) أي أبطل قولهم، انظر "اللسان" (تيس).

<<  <  ج: ص:  >  >>