للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذه جُمَل يسيرة، هي غَيْض من فَيضِ سِيَرِه وأحوالِهِ، ومَنْ تأمل كلامَه في تصانيفه، وتصرُّفه في أماليه، ونظرَه في طُرُق الحديث أذعن بفَضْله، واعترف له بالمَزِيّة على مَنْ تَقَدَّمه، وإتعابَه مَنْ بعده، وتعجيزَه اللاحقين عن بلوغ شَأوه. عاش حميدًا, ولم يخلِّف في وقته مِثْلَه.

وقال الحافظ أبو حَازم العَبْدويي: سَمِعْتُ الحاكم يقول -وكان إمامَ أهلِ الحديث في عَصْره-: شربت ماء زَمْزَم، وسألت الله أن يرزقني حُسْنَ التّصنيف (١).

وقال الحافظ مُحَمَّد بن طاهر: سمعت سَعْد بن عليّ الزَّنْجَاني الحافظ بمكة، وقلت له: أربعة من الحُفَّاظ تعاصروا، أيهم أحفظ؟ قال: مَنْ هم؟ قلتُ: الدَّارَقُطْني ببغداد، وعبد الغني بِمْصر، وابن مَنْدَه بأصْبَهان، والحاكم بنيسابور. فسكتَ، فألححت عليه، فقال: أما الدَّارَقُطْني فأعلمهم بالعِلل، وأما عبد الغني فأعلمهم بالأنْسَاب، وأما ابنُ مَنْدَه فأكثرهم حديثًا مع معرفة تامَّة، وأما الحاكم فأحسنهم تصنيفًا.

وقال أبو عبد الرَّحْمَن السُّلَمي: سألت الدَّارَقُطْني: أيهما أحفظ: ابنُ مَنْدَه أو ابن البَيِّع؟ فقال: ابن البيع أتقنُ حِفْظًا (٢).

وقال ابن طاهر: سَأَلْتُ أَبا إِسماعيل الأنْصَاري عن الحاكم، فقال: ثقَة في الحديث، رافضي خبيث. ثم قال ابن طاهر: كان شديدَ التعصب للشِّيعَة في الباطن، وكان يظهر التَّسنن في التقديم والخِلافة، وكان منحرفًا عن معاوية وآله، يتظاهر بذلك ولا يعتذر منه.


(١) "تبيين كذب المفتري": ٢٢٨.
(٢) "تبيين كذب المفتري": ٢٢٩ - ٢٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>