تتضمن غاية الذل لله - تعالى - بغاية المحبة له. (١)
وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ولا يشركوا به شيئاً ":
فى دلالة على أنه لا يكفي فقط العبادة، لأن الكفار كانوا يصرفون شيئاً من العبادة لله تعالى، لكنهم يشركون معه غيره، ولذلك لابد من عبادة الله - تعالى - مع عدم إشراك غيره معه.
*الفائدة الثانية:
*وأما قوله صلى الله عليه وسلم: " وَحَقَّ العِبَادِ عَلَى اللَّهِ... "
ففي تفسيرها وجوه:
١ - هى من باب قول الرجل لصاحبه " حقك عليَّ واجب "، أي: متأكد قيامي به، ولله المثل الأعلى؛ فإن الله -تعالى - يخبر عباده عن حقهم الذي وعدهم به، ومن صفة وعده أن يكون واجب الإنجاز، فهو حق بوعده الحق، لا أنهم يستحقون ذلك بعمل عقلاً. (٢)
٢ - أنها خرجت على سبيل المشاكلة، ونظير ذلك ما ورد في حديث أَنَس بْن مَالِكٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لما مَرُّوا بِجَنَازَةٍ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَجَبَتْ»، ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا، فَقَالَ: «وَجَبَتْ» (٣) ... ، فالثناء لا يستعمل إلا في الخير، واستعماله في الشر هنا على سبيل المشاكلة.
فيكون المعنى في حديث الباب: أن حق العباد على الله -تعالى - إنما أُطلق هناعلى سبيل المقابلة لحقه عليهم، لا أنهم يستحقون عليه شيئًا.
*و الصحيح في ذلك أن حق العباد على الله -تعالى- ليس حق وجوب، بل هو حق تفضل وحق تكرُّم؛ وذلك لأنه الذي وفَّقهم وأنعم عليهم، ثم هو وعدهم -وهو لا يخلف الميعاد- أن من وحدَّه فإنه يثيبه وينعِّمه، وأنه لا يعذِّبه إذا مات على التوحيد الصحيح الصادق.
(١) مجموع الفتاوى (١٠/ ١٥٣)
(٢) وانظر مطالع الأنوار على صحاح الآثار (٢/ ٣٤٦) وتحقيق التجريد في شرح كتاب التوحيد (١/ ٤٨)
(٣) متفق عليه.