فصل الصيف نقلت الشمس إلى برج السرطان في أوائل الساعة الرابعة من ليلة الأحد حادي عشرينة رابع عشر حزيران والعشرين من بونة.
وتناقص الموت بالطاعون حتى بلغ العدد في الديوان إلى دون الخمسين بالبلد وما حوله وقريب منه دون الصالحية والمزة والقابون والغوطة وكان جاوز الثمانين ثم تزايد ثم نقص ولكن ظهرت عليه حاله وموت جماعة من المعروفين وإذا دخل بيتاً مات أكثر أهله أو كثير منهم.
ويوم الأحد حادي عشرينه توفي ابن الخطيب المدرس (١) فتح الدين محمد ابن قاضي القضاة شمس الدين شيخ القراء محمد بن محمد بن محمد ابن الجزري مطعوناً انقطع ثلاثة أيام بمنزله بالأتابكية بسفح قاسيون وصُلي عليه بعد العصر من يومئذ بالجامع المظفري ودفن تحت الروضة من غربيها إلى جانب قبر القاضي جمال الدين ابن جمله أدركت الصلاة على قبره، كان أبوه نزل له عما بيده من نصف الخطابة بجامع التوبة وكان ينازع فيها هو وابن الحسباني وعن مشيخة الإقراء بتربة أم الصالح وكان والده أيضاً ولي تدريس المدرسة الصلاحية بالقدس فلما توجه إلى بلاد الروم وأقام هناك أخذه القمني فجاءت رسالة ابن عثمان ملك الروم أبي يزيد إلى سلطان مصر لعودتها إليه وتمكين ولده هذا من مباشرتها، قال الجلال إلى أن انتزعت المدرسة المالكية من الجلال ابن القاضي بدر الدين ابن أبي البقاء وأمر بتفويضها إليه ففوضها فباشر تدريسها ونظرها ثم اصطلح هو وإياه وفوضها إليه تفويضاً صحيحًا فاستمر يباشرها إلى أن مات ففوض جميع وظائفه إليّ ووقف والده على مدرسته وأولاده وفوضت مشيخة الإقراء بجامع التوبة إلى ابن اللبان وفوضت الخطابة إلى الشيخ ابن الحسباني وقيد الباقي وفوض إليّ النصف من تربة أم الصالح والعادلية وكان المذكور ذكياً جيد الذهن ويستحضر من التنبيه ويقرأ بالروايات أخذها عن أبيه ويخطب ويقرأ جيداً وعنده معرفة بالسعي وطرقه على صغر سنه مولده.
(١) إنباء الغمر ٧/ ٤٣، الضوء اللامع ٩/ ٢٨٧ (٧٤٠) شذرات الذهب ٩/ ١٦٠.