وكرم وجه الله، وسعة رحمة الله. إن أصت بعد مقامي هذا خطية مخطئة، أو ذنبًا لا يغفر، هذا مقام العائذ بك من النار، قال: فإنك تصدر بأفضل ما صدر به حاج أو معتمر إلا من قال مثل ما قلت، أو زاد، هذا عند طواف الوداع.
فإذا فرغ من الدعاء أتى زمزم، فشرب منها متزودًا إياه متبركًا به، قال مجاهد: وكانوا يستحبون إذا ودعوا البيت، أن يأتوا زمزم فيشربوا منها، ثم عاد إلى الحجر فقبله ومضى. فإذا أراد الخروج من المسجد، فقد قال بعض أهل العلم: يلتفت إلى البيت كالمتحزن على ما تغيب عنه، لا يكاد يسبح نفسه، برفع طرفه عنه. وكره ذلك بعض السلف، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كره قيام الرجل على باب المسجد إذا أراد أن ينصرف إلى أهله متحرقًا إلى الكعبة ينظر إليها ويدعو، وقال: اليهود يفعلون ذلك، وعن مجاهد مثله، وهذا أشبه، لأنه قد ودع البيت، فإذا حدث بعد ذلك عهدًا به ولم يجبه بالطواف فقد خطأه. ولأن يكون آخر عهده بالبيت تحية أولى به من يكون آخر عهده به حفاوة والله أعلم.
ومن الناس من يرى أن يقول إذا طاف طواف الوداع: اللهم لا تجعل هذا آخر عهدي بالبيت، فإن قال هذا ومضى دون أن يلتفت إليه وما يدريه لعل ذلك دعوته أجيبت له، ثم لا يراه.
وينبغي أن لا يفارق الحاج البيت راغبًا عنه مستثقلاً ما عاناه في طريقه، بل يستخف كل جهده رغبًا ويصيب أصابه في حب ما رزقه الله تعالى وأهله له، من زيارة بيته وقضاء مناسكه، ويكون قوي العزم على أن يتوب إليه راغبًا إلى الله تعالى في ذلك، داعيًا إياه به.
ومما جاء في التزام البيت ما روي أن عبد الله بن عمرو طاف بالبيت، فلما كان خلف الكعبة قيل له: ألا تتعوذ،: أعوذ بالله من النار، ثم مضى حتى استلم الحجر، وقام بين الركن والباب، فوضع صدر وجهه وذراعيه وكفيه مبسطًا على الباب. قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل. وقال صالح جنان: قال لي أنس بن مالك وأنا أطوف معه: ارفع الأستار ثم الزم بطنك. أو قال: كبدك بالبيت، ثم تعوذ برب هذا البيت من النار، وعن سعيد بن جبير أنه كشف عن بطنه والزقه الملتزم. وعن القاسم بن محمد وعمر