إبراهيم بمنى، فلما هم بأخذه استعصى عليه، فلم يزل إبراهيم يرميه بالحصى حتى ألجأه إلى سفح الجبل فأخذه. فقد يجوز أن يكون رمي الحجاج للاقتداء بإبراهيم، وتفاؤلاً بأن رميه بالحصى عاد عليه بادراك بعثه. فيرمي أن ما لنا يزكيه، فيما نقتدي به منه، ويعذنا الله من النار كما أعاذ إسماعيل من الذبح والله أعلم.
وفيه وجه خامس: وهو أن الطواف بالبيت لما عادل الصلاة، وهو فعل مجرد ذكر معه، فكذلك الرمي يعدل بالاستغفار، وإن كان فعلاً مجردًا لا ذكر معه. فالطواف التجاء والرمي استغفار. وكان الرامي يقول: اللهم ارم بأوزار عني كرمي هذه الحصيات. ويشبه أن تكون سبع حصيات قائمة مقام سبع استغفارات كل واحدة بعشرة فتلك سبعون. تم أمروا بتتابعها سبعون حصاة لتكون سبعين استغفارة بالحقيقة، والعدد دون التضعيف وذلك في أربعة أيام والله أعلم.
ثم إذن لهم في حلق رؤوسهم ومعاودة العادات في لباسهم وتطيبهم تيسيرًا لهم بالقبول والاستعفاف، وتر فيها في العاجل بينهم. ثم قيل لهم: قد جاء وقت الزيارة، فأحضروا.
فيلاحقون من منى إلى مكة، ويأتون المسجد متوجهين نحو البيت، حتى إذا دنوا من البيت بدأوا فقبلوا الحجر الأسود كأنما قصدوا متعظمًا، فيكشف لهم عن يمينه، لأن الحجر للبيت بمنزلة اليد، فإنه منصوب في وجه البيت من قبل اليمين.
وقيل أن تقبيل الحجر بمنزلة تقبيل العبد باب دار سيده، إذا لم يصل إلى تقبيل يده، فكذلك لما استحال أن تكون فيه خارجة تلمس وتقبل عنه على تقبيل باب بيته، ثم مضوا على إيمانهم وتركوا البيت على يسارهم حتى تطوفوا سبعًا، فإذا عرفوا خرجوا على المسعى فسعوا بين الصفا والمروة متيمنين به متقابلين لدرك المراد والوصول إلى البغية. إذا كانت هاجر لما سعت بينهما ورجعت إلى إسماعيل وجدته، وقد كفاها الله فيه ما كانت بحذره، وأنيط له من الماء ما كانت تطلبه، فلذلك يرجو كل حاج أن يرجع من السعي إلى ما جاء يطلبه، ذلك العفو والمغفرة، ويحلون بعدما ذكرنا الحل الكامل، فكأنما قيل للضارب منهم: ما مضى فقد مضى، فاستأنف العمل.
ثم يرجعون إلى منى ويقيمون بها ثلاثًا يرمون كل يوم إذا زالت الشمس بإحدى وعشرين