الفعل الواجب من لزمه ووجب عليه. وهكذا قوله {وكان حقًا علينا نصر المؤمنين} أي وكان وعدًا لا يجوز أن يخلفه، أنا نجعل حسن العاقبة لأوليائنا كما قال في معنى إعادة الخلق {وعدًا علينا} لا لأن ذلك واجب عليه في قول أخذ. ولكن لأن إخلاف الوعد غير جائز عليه بما وعد فعله فهو فاعله لا محالة، كمن يكون عليه فعل مستحق فهو فاعله بكل حال. وهكذا من تتبعه في كلام العرب أن يتحرز فيه مثل هذا، وبالله التوفيق.
ومن الناس من ذهب إلى أن الاستغفار من أركان التوبة، وإن أركانها الندم والعزم على ترك العود والاستغفار، وهذا فيمن ليس فيه رد مظلمة وتمكين من حق. ومنهم من زاد الغم بالذنب الذي منه تكون التوبة بعد الفرح به، كأن رجلًا يعادي رجلًا ويريد قتله سنين، ثم ظفر به، فقتله، وتاب مكانه. فندم على ما كان منه، قتل مؤمنًا، بغير حق في الجملة، وعزم على أن لا يعود، إلا أن قلبه فرح بأن لم يعلنه عدوه وظفر منه بمراده. قال بهذا ليس بتوبة، إنما التوبة (أن يكون مهمومًا بما جرى على يده، وهذا كما قال: إلا أن يستغنى بشرط الندم عنه، فإن الفرح بما قد كان مناقض للندم، ولا يجتمعان في قلب لوقت واحد أبدًا إلا أن يكون فرحه ينقصان خصمه عن وجه الأرض، وانقطاع عداوته عنه، لا بأن جرى على يده قتله ويشتفي بذلك منه، فإن كان إنما يفرح بانقطاع عداوته فقط، فهذا غير متناقض للتوبة، وإن كان يفرح بفعله الذي فعله مكانه، فهذا مناقض للندم، وإذا خلص الندم لم يمكن أن يكون معه هذا الفرح فذكره إذا تكلف.
وأما الاستغفار فإن الله عز وجل يحكي عن هود النبي عليه السلام أنه قال لقومه:{ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه}. وهذا يوهم أن يكون الجمع بين الأمرين محتاجًا إليه، وقد يوهم غيره، لأنه ميز الاستغفار عن التوبة، وقدمه في الذكر عليه. ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم (لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار). وجاء عنه صلى الله عليه وسلم. (من أصاب ذنبًا فندم عليه، غفر له ذلك من قبل أن يستغفر) فهذا يدل على أن الاستغفار