وإلى هذا ذهب بعض أهل العراق وقال إن أقر فيها لعمارتها كانت ملكا بدليل ما روي أن عمر وضع الخراج على بياضها وسوادها إذا لو كانت للمسلمين لكان وضع الخراج على سوادها بيعا للثمن قبل أن يخلق.
وقيل إنه أبقاها بغير شيء أعطي للموجفين عليها، وإنما تأول في ذلك قول الله تعالى:{والذين جاؤوا من بعدهم} الآية وإلى هذا ذهب مالك رحه، وجميع أصحابه خلافا للشافعي في قوله إنها تقسم كما فعل رسول الله صلعم في أرض خيبر.
وقد اختلف على هذا في آية الفيء هذه وآية الغنيمة التي في سورة الأنفال فقيل إنهما محكمتان على سبيل التخيير في أرض العنوة بين أن تقسم على ما فعل رسول الله صلعم في أرض خيبر مبينا لآية الأنفال أنها على عمومها وبين أن تبقى كما أبقاها عمر بدليل آية الحشر وإلى هذا ذهب أبو عبيدة وهو قول أكثر الكوفيين إن الإمام مخير بين أن يقسمها كما فعل رسول الله صلعم في أرض خيبر وكما فعل عمر في سواد العراق.
وقيل إن آية الحشر ناسخة لآية الأنفال لأن النبي صلعم بين فعله في أرض خيبر على عمومها في جميع الغنائم من الأرض وغيرها وإلى هذا ذهب إسماعيل القاضي.
وقيل إن آية الحشر مخصصة لآية الأنفال ومفسرة لها ومبينة أن المراد بها ما عدا الأرض من الغنائم وأن رسول الله صلعم إنما قسم الأرض بخيبر لأن الله وعد بها أهل بيعة الرضوان فقال وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فجعل لكم هذه فهي مخصوصة بهذا الحكم دون سائر الأرضين المغنومة.
وإذا أبقى الإمام أرض العنوة وأقر بها أهلها لعمارتها ضربت عليهم الجزية على ما فرض عمر وسوقوا في السواد ووضع عليهم الخراج في الأرض بقدر اجتهاد الإمام وهو وجه قول مالك في المدونة لا علم لي بجزية الأرض وأرى أن يجتهد الإمام في ذلك ومن حضره إن لم يجد علما يشفيه أي إن لم يثبت عنده مقدار ما وضع عمر رضي الله عنه عليها من الخراج لأنه إنما توقف في مقدار ذلك وقيل إنه إنما توقف هل عليها خراج أو لا خراج عليها وتترك لهم يستعينون على أداء الجزية دون خراج وقيل إنما توقف فيما يوضع عليها من الخراج هل يسلك به مسلك الفيء.
وهذا التأويل أبعد التأويلات عندي وذهب ابن لبابة إلى أن جزية الأرض توضع فيما أوقف الأرض له الإمام فقال إنما توقف مالك فيما يصنع بها إذا لم يدر لماذا أوقفها الإمام