غير أن أرض مغربنا وخصوصا السهل منها استمرت القرون السالفة والأمم الغابرة على تصرف الأئمة منها لبيت المال وحده على استبدادهم بالخراج دون أن يكون لقبائل العمران فيها شبهة مالك يسندون إليها سوى التغلب وإظهار الفساد بحماية بعضهم لبعض بطريق التعصب جعل الله المسلمين عن أسباب ذلك فرجا ومن يتق الله يجعل له مخرجا.
فقد كان بعض فضلاء الصحابة لما طلبوا أمير المؤمنين عمر في قسمة الأرض العنوة واشتدوا عليه في الطلب أتى من ذلك ودعا أن يكفيه الله إياهم فماتوا من عند آخرهم، وما ذلك إلا لحمايته بقاء الأرض لمصالح المسلمين وعدم سخائه بالسلوك بها سبيلا غير ذلك.
وأقول ما تجد قوما قطعوا أراضيهم وبردوا خراجها عن جمعه لبيت المال إلا ضعفوا وبانت مقاتلهم وحماتهم وصاروا هدفا لسهام أهل الفساد وطاغية أولي البغي والعناد.
ولنأت بما وقع في العتبية من حكاية عمر بن الخطاب رضه التي أشرنا إليه ونجتلب كلام الشيخ ابن رشد عليها إلى هنا لما حوى من الفوائد ولوامع الدرر الفرائد.
قال في سماع ابن القاسم قال مالك وبلغني أن بلالا كلم عمر بن الخطاب في هذا المال بالشام في قسمه وكان من أشد الناس عليه كلاما فزعم من ذكر أن عمر دعا عليهم فقال اللهم اكفنيهم قال مالك فبلغني أن ما حال الحول وواحد منهم حي.
قال ابن القاسم: وإنما كان بلال وأصحابه سألوا عمر أن يقسم الأرض التي أخذت عنوة بين الناس فأبى ذلك عليهم عمر قال ابن القاسم وبلغني عن مالك أنه قال: ليس من الشأن قسم الأرض التي أخذت عنوة بين الناس ولكن تترك بحالها وكل ما افتتح بعد عمر من العنوة فالشأن به أن يترك كما فعل عمر.
قال سحنون وحدثني ابن القاسم عن ابن كنانة أنه كان يقول ذلك قال سحنون وأخبرني به ابن نافع عن مالك، قال ابن رشد رحه ثبت أن رسول الله صلعم خمس أرض خيبر وقسمها بين المرجفين عليها بالسواء وأن عمر بن الخطاب رضه أبقى سواد العراق ومصر وما ظهر عليه من الشام ليكون ذلك في أعطية المقاتلة وأرزاق المسلمين ومنافعهم وقيل إنه استطاب أنفس المفتتحين لها فمن شح وترك حقه منها أعطاه بقية الثمن فعلى هذا لا يخرج فعله عما فعله النبي صلعم في أرض خيبر.