الجزية دينار ولا يقدر أكثرها لأنه إذا بذل الأغنياء دينارا حرم قتالهم وهذا نص منه على أن أقل الجزية دينار بقوله ولا بقدر أكثرها فقوله ولا يقدر أكثرها معناه أنه ليس لكثرة ما يبذلونه من الصلح حد لا يجوز للإمام أن يتجاوزوه بخلاف أهل الغنوة الذي لا يجوز للإمام أن يتجاوز فرض عمر فيهم.
انقسام الجزية الصلحية إلى ثلاثة أوجه
ثم هذه الجزية المصالح بها على ثلاثة أوجه: أحدها أن تكون الجزية مجملة عليهم. والثاني أن تكون مفرقة على رقابهم دون الأرض. والثالث أن تكون مفرقة على رقابهم وأرضهم أو على أراضيهم دون رقابهم مثل أن يقول على كل رأس كذا وكذا وعلى كل زيتونة كذا وكذا وعلى مبذر كل قفيز من الأرض كذا وكذا ولكل وجه من هذه الوجوه أحكام تختص به.
فأما إذا كانت الجزية مجملة عليهم فذهب ابن حبيب إلى أن الأرض موقوفة للجزية لا تباع ولا تورث ولا تقسم ولا تكون لهم إن أسلموا عليها وأن مال من مات منهم لوارثه من أهل دينه إلا أن لا يكون له ورثة من أهل دينه فيكون للمسلمين.
وذهب ابن القاسم إلى أن أرضهم بمنزلة مالهم يبيعونها ويرثونها ويقتسمونها وتكون لهم إن أسلموا عليها وإن مات منهم ميت ولا وارث له من أهل دينه فأرضه وماله لأهل مودته ولا يمنعون من الوصايا وإن أحاطت بأموالهم ولا ينقصون من الجزية شيئا لموت من مات منهم.
وأما إن كانت الجزية مفرقة على رقابهم فلا اختلاف أن لهم أرضهم ومالهم يبيعون وتكون لهم إن أسلموا عليها ومن مات ولا وارث له من أهل دينه فأرضه وماله للمسلمين ولا تجوز وصيته إلا في ثلث ماله.
وأما إن كانت الجزية مفرقة على الجماجم والأرض أو على الأرض دون الجماجم فاختلفوا في جواز بيع الأرض على ثلاثة أقوال. أحدها- أن البيع لا يجوز وهي رواية ابن نافع عن مالك في كتاب التجارة إلى أرض الحرب من المدونة والثاني- أن البيع جائز ويكون الخراج على المبتاع ما لم يسلم البائع وهو مذهب أشهب وقوله في المدونة ولا اختلاف أنها تكون لهم إن أسلموا عليها وأنهم يورثونها قرابتهم من أهل دينهم بمنزلة سائر أموالهم أو المسلمين إن لم تكن له قرابة من أهل دينهم.