للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بها انتقض الصلح لقول الله عز وجل: {فإنما ينكث على نفسه} وكمن اكترى دارا مشاهرة فإذا منع الكراء أخرج من الدار.

وقد احتج لذلك ابن الماجشون في كتاب ابن المواز قال وكذلك فعل النبي صلعم في بني قريضة الكافرين وغيرهم من اليهود وإنما كانت مهادنة ومعاهدة وهم في بلادهم ولم يكونوا كأهل الذمة الذين غلبوا فأقروا تحت ملك المسلمين على أداء الجزية.

ومما يدل على هذا أن ابن القاسم لم يحتج به في المدونة، وإنما قال فيها قد مضت في ذلك السنة من الماضين فذكر قتال عمرو بن العاص الإسكندرية فلو كانت عنده في ذلك سنة لذكرها والله أعلم، وفرق في الرواية بين النساء والذرية وبين الشيوخ وساوى بين ذلك ابن الماجشون وأصبغ وجعلا نقض كبارهم نقضا عليهم كما أن صلحهم صلح عليهم.

واختاره ابن حبيب ولا ينبغي أن يختلف فيهم إذا علموا أنهم مكرهون غير راضين لقول الله عز وجل: {ولا تزروا وازرة وزر أخرى} ويحمل الخلاف على أنه إنما هو إذا جهل أمرهم وادعوا الإكراه والغلبة على ما يحملون عليه فلا يستباحون على مذهب ابن القاسم إلا بيقين ولا يمتنع من سبهم وقتلهم على ما ذهب إليه ابن حبيب إلا بيقين.

فإن قلت ما وقع في المدونة والعتيبة والموازية من تقييد حكم استرقاقهم وذريتهم إذا نقضوا العهد بما إذا لم يظلموا والإمام مع ذلك عدل غير جائز مقتضاه أنهم إذا نقضوا العهد من أجل ظلم لحقهم أو من تقية جور الإمام الموصوف بذلك أنهم يعودا إلى ذمتهم ولا يسترقون بذلك فهل ذلك متفق عليه أو مختلف فيه.

قلت بل هو مختلف فيه على قولين حكاهما ابن الحاجب في مختصره وغيره. قال فيه فإن نقضوا لظلم لم يسترقوا على المشهور وهو الواقع في المدونة وغيرها عن ابن القاسم، وأما الشاذ فهو قول أحمد بن نصر الداودي وعلله بأنهم ناقضون للعهد ولو كانوا مظلومين لأنهم لم يعاهدوا على أنهم يظلمون المسلمين إذا ظلموهم وهو ضعيف لأن من فر ممن ظلمه لا يكون ظالما.

وجعل الشيخ ابن عبد السلام التونسي شارح مختصر ابن الحاجب إطلاق هذا النقض للعهد في حق المسلمين إذا ظلموهم أولى بالحقيقة من إطلاقه في حق أهل الذمة إذا نابذوا ذمة

<<  <   >  >>