ومن ذلك إقسامُهُ - سبحانه - بالسماء ﴿ذَاتِ الْبُرُوجِ (١) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (٢) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (٣)﴾ [البروج: ١ - ٣].
وقد فُسِّرت "البروجُ ": بالبروجِ التي تنزلها الشمسُ والقمرُ والسيَّارةُ.
وفُسِّرَت: بالنُّجُوم، أو نوع منها.
وفُسِّرت: بالقُصور العِظَام (١).
وكلُّ ذلك من آيات قدرته، وشواهد وحدانيته، وأدلَّة ربوبيته؛ فإنَّ السماء كُرَةٌ متشابهة الأجزاء، والشَّكْل الكُرِي لا يتميَّز منه جانبٌ عن جانبٍ بطولٍ، ولا قِصَرٍ، ولا وضعٍ، بل هو متساوي الجوانب. فجَعْلُ هذه "البروج" في هذه الكرة على اختلاف صورها وأشكالها ومقاديرها يستحيل أن توجد بغير فاعلٍ، ويستحيل أن يكون فاعله غير قادرٍ، ولا عالمٍ، ولا مُريدٍ، ولا حيٍّ، ولا حكيمٍ، ولا مباينٍ للمفعول.
وهذا ونحوه ممَّا هدم قواعد الطبائعية، والملاحدة، والفلاسفة الذين لا يثبتون للعالم ربًّا مباينًا له، قادرًا فاعلًا بالاختيار، عالمًا بتفاصيله، حكيمًا مُدَبِّرًا له.
فبروج السماء - وهي منازلها، أو منازل السيَّارة التي فيها - من أعظم آياته سبحانه، فلهذا أقسَمَ بها مع السماء، ثُمَّ أقسَمَ بـ "اليوم
(١) انظر هذه الأقوال في: "جامع البيان" (١٢/ ٥١٨ - ٥١٩)، و"المحرر الوجيز" (١٥/ ٣٨٣ - ٣٨٤)، و"الجامع" (١٩/ ٢٨١).