الإسلامية، ولا يصبح له شأن قد يتغلب به على المجتمعات المنحرفة الأخرى، إذ الوسيلة إلى ذلك محصورة في أن يكون الإسلام ديناً لا دولة، وعبادات مجردة، لا تشريعاً وقوانين. وحتى لو كان الإسلام ديناً ودولة في الواقع، فينبغي أن يتقلب فيصبح غير صالح لذلك، ولو بأكاذيب القول.
إن هذه الوثيقة تدل على مدى العدالة التي اتسمت بها معاملة النبي صلى الله عيه وسلم لليهود، ولقد كان بالإمكان أن تؤتي هذه المسألة العادلة ثمارها فيما بين المسلمين واليهود، لو لم تتغلب على اليهود طبيعتهم من حب للمنكر والغدر والخديعة، فما هي إلا فترة وجيزة حتى ضاقوا ذرعاً بما تضمنته بنود هذه الوثيقة التي التزموا بها، فخرجوا على الرسول والمسلمين بألوان من الغدر والخيانة.
وقد دلت هذه الوثيقة على أحكام هامة في الشريعة الإسلامية نذكر منها ما يلي:
- يدلنا البند الأول منها على أن الإسلام هو وحده الذي يؤلف وحدة المسلمين وهو وحده الذي يجعل منهم أمة واحدة، وعلى أن جميع الفوارق والمميزات فيما بينهم تذوب وتضمحل ضمن نطاق هذه الوحدة الشاملة، تفهم هذا جلياً واضحاً من قوله عليه الصلاة والسلام "المسلمون من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، أمة واحدة من دون الناس".
- إنها تدل على مدى الدقة في المساواة بين المسلمين لا من حيث إنها شعار براق للدعاية والعرض، بل من حيث إنها ركن من الأركان الشرعية الهامة للمجتمع الإسلامي، يجب تطبيقه بأدق وجه وأتم صورة.
- كما تدل أيضاً على أن الحكم العدل الذي لا ينبغي للمسلمين أن يهرعوا إلى غيره، في سائر خصوماتهم وخلافاتهم وشؤونهم إنما هو شريعة الله تعالى وحكمه، وهو ما تضمنه كتاب الله تعالى وسنة رسوله، ومهما بحثوا عن الحلول لمشاكلهم في غير هذا المصدر فهم آثمون، معرضون أنفسهم للشقاء في الدنيا وعذاب الله تعالى في الآخرة.