للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخصَّ من يشاء بالهداية نعمةً منه وفضلًا، فأقام على أهل عدله حجَّته البالغة، وأتمَّ على أهل فضله نعمته السَّابغة، ومدح أهلَ فضله وأثابَهم بما أحسن به إليهم، وذمَّ الآخرين وعاقبَهم بأن أقام حجَّته عليهم، فجمعهم في صلب أبيهم آدم قبل أن يُخرِجهم إلى هذه الدار، ثم ميَّز بينهم يوم القبضتين، فقال: هؤلاء إلى الجنَّة، وهؤلاء إلى النار (١). ثم جمعهم في هذه الدار ابتلاءً منه وامتحانًا، ثم فرَّق بينهم يومَ القُدُوم عليه، فجعل دار هؤلاء نعيمًا وجنانًا، ودار هؤلاء عذابًا ونيرانًا، فتعرَّف إلى عباده بأنَّ له الأمرَ كلَّه، وله الملك كلَّه، وله الحمد كلَّه، وبيده الخيرُ كلُّه، وإليه يُرجع الأمر كلُّه.

وسمع آخرُ قارئًا يقرأ: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [العنكبوت: ٥]، فقال: سبحانَ من سكَّن قلوب المشتاقين إلى لقائه بأن ضرب لهم أجلًا للِّقاء، وأعلمهم بأن ذلك الأجل آتٍ لا محالةَ؛ فسكنتْ إليه نفوسهم، واطمأنَّت به قلوبهم، ولو لم يضرب للقائه أجلًا لذابتْ قلوبهم شوقًا إليه.

هذا ــ والله ــ هو السماع الذي تتنزَّل السكينة على أهله، وتَحُفُّ بهم الملائكة، وتغشاهم الرحمة، ويذكُرُهم الله فيمن عنده. ونحن نُقسِم بالله


(١) أخرج أحمد (١٧٥٩٣) من حديث أبي عبد الله مرفوعًا: "إن الله قبض بيمينه قبضةً وأخرى باليد الأخرى، وقال: هذه لهذه، وهذه لهذه، ولا أبالي". وإسناده صحيح. وفي الباب عن غيره من الصحابة، انظر هامش "المسند".