للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإطلاق الذى لا يخلو فيه لقيود المصلحة اعتبار، مستظهرين كون منعهم من ذلك إن اقتضاه النظر أولى من الإسعاد، ولو أفضى لعقد مدة تنقضى لتمام حصول القوة والاستعداد، لصدور ذلك منكم عن عقائد أمسك الإيمان زمامها، وعزائم جردت بيد التوكل حسامها، فأوريتم بذلك زنادا، وناجيتم به في مسرح الضمائر مرادا.

إذ هو في الحقيقة إفصاح منكم بالواجب، وصاع بأمر الله الذى ليس للعزائم عنه حاجب، فقمتم فيه بلازم الوظيف، وتخلصتم ببثه من وعيد الكتمان المقرر بالذكر المحكم والحديث الشريف، وأديتم بذلك واجب النصيحة التي هى عنوان صدق العقيدة، وعضد الإيمان الذى به يمنح المفاز مقليده.

على أن النصيحة شرط في البيعة وفرض على كل مسلم، فكل قلب خلا من كوكبها المنير مظلم، لما أخرجه الشيخان عن جرير، قال أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت أبايعك على الإسلام فشرط على والنصح لكل مسلم ... إلخ. وقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما أخرجه الطبرانى "من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ومن لم يصبح ويمس ناصحا لله ولرسوله ولكتابه ولإمامه ولعامة المسلمين فليس منهم"، وتنبيهكم على الحمل على مراجعة الدين، والتفصى مما ينافى سنة سيد المرسلين، أتيتم فيه بحق التذكير والموعظة، وطرد سوام التوانى عن الهمم المستيقظة.

إذ التساهل في اتباع السنة رأس المهالك، وداعية النوائب التي تضيق بها المسالك، لقوله - صلى الله عليه وسلم - لكل عمل شرة ولكل شرة فترة، فمن كانت شرته إلى سنتى فقد اهتدى، ومن كانت شرته إلى غير ذلك فقد هلك، على أن من صلح فبهداية الله، ومن أساء فذلك في الحقيقة ابتلاء بطريق العدل من مولاه، فكلا العملين بإلهامه وتوفيقه، وكل يعمل على شاكلته وطريقه، لقوله تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [سورة الشمس الأية ٨]. ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: فيما أخرجه الطبرانى: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له، من خلقه الله لواحدة من المنزلتين وفقه لعملها".

<<  <  ج: ص:  >  >>