رخصة في شهواتهم، ويكثر من يساعدهم على ذلك، فتنقلب هيئة السعادة إلى ضدها، ويحدث بينهم الاختلاف والتباغض المؤديان إلى الشتات والتفرقة، وبطلان الغرض الشريف، وانتقاض النظام الذى طلب صاحب الشرع بالأوضاع الإلهية، فتحتاج الأمة إذ ذاك إلى تجديد الأمر واستئناف التدبير، قال حكيم الفرس وملكهم ازدشير: إن الدين والملك أخوان توأمان لا يتم أحدهما إلا بالآخر، فالدين أس والملك حارس، وكل من لا أس له فمهدوم، وكل من لا حارس له فضائع.
إن الإسلام جاء بالحكمة والعزم هادما للتشريك بالكلية، ومحكما لقواعد الحرية السياسية المتوسطة بين الديموقراطية والأريستوقراطية، فأسس التوحيد وأظهر للوجود حكومة كحكومة الخلفاء الراشدين التي لم يسمح الزمان بمثال لها بين البشر حتما ولم يخلفهم فيها بين المسلمين خلف، إلا بعض شواذ كعمر بن عبد العزيز، والمهتدى العباسى، ونور الدين الشهيد. فإن هؤلاء الخلفاء الراشدين فهموا معنى القرآن وما يدعو إليه وعملوا به واتخذوه إماما، فأنشأوا حكومة قضت بالتساوى حتى بينهم أنفسهم وبين فقراء الأمة في نعيم الحياة وشظفها، وأحدثوا في المسلمين عواطف أخوة وروابط هيئة اجتماعية، وحالات معيشية اشتراكية، لا تكاد توجد بين أشقاء يعيشون بإعالة أب واحد وفى حضانة أم واحدة، وهذا القرآن الكريم مشحون بتعاليم إماتة الاستبداد وإحياء العدل والتساوى حتى في القصص منه.
إن الحكومة الإسلامية مؤسسة على أصول إدارة الديمقراطية، أى العمومية والشورى الأريستوقراطية أى شورى الإشراف -وقد مضى عهد النبى صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده على هذه الأصول بأتم وأكمل صورها، خصوصا وأنه لا يوجد في الإسلام نفوذ دينى مطلقا في غير مسائل إقامة