وتوجه معهم في موكبه الحفى الحافل وحاشيته الكريمة، وساروا إلى أن دخلوا على باب الفتوح أحد أبواب مدينة فاس الإدريسية، وكان اختيارهم للدخول على ذلك الباب تيمنا وتفاؤلا بما أضيف إليه.
ثم أن بعض سماسرة الفتن الموقدين لنيرانها من أهل فاس أولاد ابن يوسف رام اغتنام الفرصة بالإيقاع بحمدون الروسى غيلة، حيث إنه كان قتل أباهم، فشعر الروسى بذلك وتنحى عن الموكب، وقيل سبوه والسلطان يسمع واقتفى لأثره فانفلت منهم، ولحق بالمترجم، وأخبره بالواقع وهو إذ ذاك على قنطرة الرصيف فاغتاظ، ورجع على طريق جامع الحوت، وذهب على جزاء ابن عامر، وخرج على باب الحديد، وسار إلى أن دخل دار الملك من المدينة البيضاء فاس الجديد.
وقيل: إن ذلك كان والسلطان بالمحل المعروف بين المدن، وأنه سار على حومة البليدة، وخرج على باب الجيسة، وسار إلى أن بلغ فاسا الجديد، ولم يزر الضريح الإدريسى تحرزاً من توقد نيران الفتن على حين غفلة، وذهب القوم في إعراض المترجم عن الزيارة كل مذهب.
ثم بعد أن أحاطوا علما بالسبب الموجب للتخلف طلع لدار الملك أعيان البلد من أشراف وعلماء ووجهاء ببيعتهم، وكان القاضي الأعدل أبو العلاء إدريس ابن المهدى المشاط، هو الذى تولى إنشاءها وكتبها، وقد أوردها بنصها أبو القاسم الزيانى في البستان مؤرخة بسابع صفر عام ١١٤١، وتبعه في جلبها صاحب الجيش، والاستقصا، والدار المنتخب المستحسن، تركت نقلها هنا اختصارًا، لكن صاحب الاستقصا أوردها بتاريخ سابع رمضان العام لا صفر وهو في نظرى أصوب (١) وأصح، ولما قدم الوفد الفاسى للحضرة السلطانية ببيعتهم المشار لها
(١) في هامش المطبوع: "لأنَّ صفر عام واحد وأربعين لا زال مولاى أحمد الذَّهبيُّ قائماً ولم يمت حتَّى وصل شعبان هـ".