للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محمول السقف على أعمدة الرخام الناصع البياض، على رأس كل عمود كرسى من المرمر البديع المزخرف بالنقش العالى المبرهن على كمال براعة الصانع واقتداره على إبراز كل غريب فتان، تستوقف لطافته الأنظار، ويحير عجيب إتقانه النظار، اصطفت تحت ظل ذلك المباح الظليل أبواب قبب متقابلة بسائر جوانبه الأربعة، تتخللها دور وقصورها فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، تجسمت فيها الأبهة والبهاء، وحير وضعها الهندسى أهل النهي، ورصع فسيح تلك الأرض، طوله والعرض، بالزليج المختلف الألوان، وصهاريج صافى الرخام وجوابيه الباهض جمالها وترتيب نظامها القاذفة عن أنابيبها الماء المعين، الذي يغار من صفائه الزئبق واللجين، وألبست جدرانه حلل الجبص الموشاة بأبرع وَشْي وأغلاه وأعلاه، وتمنطقت بمنطقة من الزليج ذى الألوان المختلفة المذهل بمتقن تطريزه المرضعة عن الرضيع، حوت من كل أصفر فاقع وأحمر قانى وأبيض ناصع وأسود حالك وأخضر وأزرق ما تنشرح بمرآه الصدور، وتنطفى به لواعج المصدور، لا يقصر ارتفاع تلك المنطقة عن قامة، في غاية الاستقامة.

بشمال هذا القصر منار يسر الناظرين متجل في حلة سندسية خضراء، متوج بتاج مموّه بخالص الإبريز (١) تلوح على نواحى القصر منه لوائح السراء.

ووجه تسمية هذا القصر بالستينية وجود قبب بها لها مزيد أبهة وبهاء، ومن جملته كونها مسقفة بالعمل المعروف عند أهل حرفة النجارة بالستينى فأعطيت التسمية للقصر كله من باب تسمية الكل باسم الجزء الأعظم، وما عدا ذلك وهو جل القبب الإسماعيلية في سائر قصوره مقبو بالجيار والآجر مزخرف بالجبص البديع النقش.

وفي هذا القصر صار محل سكنى مؤلف هذا الكتاب وفي روضه فيه قال صديقه الحميم الفقيه المؤرخ أبو عبد الله سيدي محمَّد بو جندار مساجلا للأديب


(١) الإبريز: الذهب الخالص.

<<  <  ج: ص:  >  >>