بقاء هذا الجبل بيد العدو أربعا وعشرين سنة، إذا كان استيلاؤهم عليه سنة تسع وسبعمائة، وكانت مدة حصار أبى الحسن له ستة أشهر، وكم خلد في المغربيين من مفاخر تستلفت الأنظار، وتبرهن عما كان له من ضخامة الملك والاقتدار، ولم يزل أمره بين نمو وظهور إلى وقعة غرق أساطيله المذكورة ثم صارت ضخامة ملكه بعدها تتراجع ودولته تتناقض إلى أن لبى داعى مولاه.
وأما زاوية القورجّة -بتشديد الجيم كما رأيته في خط ابن غازى- فقد عفى منذ أزمنة طوال اسمها، وإن بقى إلى الحين الحالى رسمها في الجملة وموقع مسماها بالمحل المعروف اليوم بعقبة الزيادين، ويقال لها عقبة الزيادى، كان فيما سلف تطاول على جانب منها بعض أولى الأمر وصيره من جملة روض له وذلك الروض هو المعد الآن محكمة للمراقبة المدنية على الحكام الأهليين والشئون البلدية والكوميسارية، وصار طرف آخر من تلك المدرسة معدا لربط الدواب، والفاضل عن ذلك جعل معملا لطبخ الحبص، وعهدى بمحرابها فيما مر قائم العين، أما الآن فلا أدرى. وهذه الأمكنة كلها بيد الأجانب اليوم.
ولا عجب في صدور هذا وما ضارعه من قوم لا يهمهم تعظيم حرمات الله ولا يرعوون عن السعى في تخريبها وانمحاء ما أثله حماة الدين من الأعمال الشريفة المبرهنة على شممهم. وعلى هممهم. أولئك الذين عاشوا وشغلهم الشاغل إقامة معالم الدين، والمحافظة على كيان عزه المتين.
ومن خرب قلبه من التقوى، ونشأ في عماية وتغذى بلبان الجهل العريق والاستبداد التام واتخذ إلهه هواه فترك بيوت المجد بلاقع. وأدار من بلاياه كئوس السم الناقع، وظن الخيانة أمانة، وسفاهة الرأى عبادة وديانة، أنى يستغرب منه صدور ما ذكر من إهانة حرمات الله والتطاول عليها! هذا وسلاطيننا الجلة الأماجد لم تأخذهم سنة في زمن من الأزمنة عن تنبيه رعاياهم وولاة أمرهم، وإعطائهم