{ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدًا ثم أناب}. الأب الأول أخرج من الجنة ولم يبدل بمكانه غيره. ومزج لفظ إبعاده بلفظ رجائه بقوله:{ومتاعٌ إلى حين}. فكان في ذكر الغاية كمين. فإن كل عذاب مؤجل يمزجه رجاء ما بعد الأجل. وإنما قاصمة الظهر الإبعاد، ثم الاستبدال. فإذا لم يصل، تعاقب بما شئت. ولا يجعل العقوبة هجرًا عن العبيد التعلق ولو في حبوس ساداتهم. انظر كيف قالت المشفقة في طي الإغراء:{وما جزاء من أراد بأهلك سوءًا إلا أن يسجن}، ولم تقل ((يقتل)) لأن في السجن يرجى إطلاق.
حكي أن زمنًا زحف مع النفير، فقيل له:((إلى أين؟ )) قال: ((سمعته يقول: {إلا تنفروا أو يعذبكم عذابًا أليمًا ويستبدل قومًا غيركم}.)) لو كان العذاب بغير استبدال، هان. ولكن عذاب الاستبدال لا صبر عليه. ما أذل العبيد على غير أبواب الموالي! واست على نعمة زالت وقربة ما دامت. والله إن الزبانية يدفعون أرباب المواخير إلى النيران وقلوبهم متلفتة إلى المعذب بالآمال بعد سماع قوله:{ورحمتي وسعت كل شيءٍ}. وإن قال ساكنوها للذين ينفون فقد سمعوه يقول:{يمحوا الله ما يشاء ويثبت}. وقد فطن عمر لهذا، فقال:((إن كنت كتبتني شقيًا، فامنحني واكتبني في جملة السعداء.)) لما سمع حصول المحو بعد الكتب بالمشيئة المطلقة طلب والله لا جانب الآمال منه ولو ردنا إلى العدم. لأن له في الكلام رموزًا، وفي الوعيد أسرارًا، وفي العسوف ألطافًا. هو