محمد الدمشقي في جواب هذا الاستدراك: الأشجعي ثقة مُجَوِّدٌ فإذا جود ما قصر فيه غيره حُكم له به ومع ذلك فالحديث له أصل ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم برواية الأعمش له مُسْنَدًا، وبرواية يزيد بن أبي عبيد وإياس بن سلمة بن الأكوع عن سلمة، قال الشيخ ابن الصلاح: رواه البخاري عن سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما شك الأعمش فهو غير قادح في متن الحديث فإنه شك في عين الصحابي الراوي؛ وذلك غير قادح لأن الصحابة رضي الله عنهم كلهم عدول.
(قال) أبو هريرة (كنا) معاشر الصحابة (مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير) أي في سفر غزوة تبوك كما سيأتي التصريح به، والمسير مصدر ميمي بمعنى السير يريد به السفر (قال) أبو هريرة (فنفدت) أي فرغت وفنيت من نفد ينفد من باب فرح ومنه قوله تعالى {لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي}(أزواد القوم) جمع زاد وهو ما يتزود به المسافر لسفره من طعام وشراب وماء (قال) أبو هريرة فجاعوا وعطشوا (حتى هم) النبي صلى الله عليه وسلم وقصد (بنحر) وتذكية (بعض حمائلهم) أي حمائل القوم ونوقهم وأبعرتهم التي يحملون عليها أمتعتهم ويركبونها في حال سيرهم، قال السنوسي: والضمير في هَمَّ يعود على النبي صلى الله عليه وسلم، قال القرطبي: وليس هذا الهم من وحي لما اتفق من عمر، وإنما هو عن اجتهاد، ومستند النظر فيه أنه من ارتكاب أخف الضررين، قال النواوي: وفي هذا الذي هم به النبي صلى الله عليه وسلم بيان لمراعاة المصالح؛ وتقديم الأهم فالأهم، وارتكاب أخف الضررين لدفع أضرهما والله أعلم.
قال الأبي: والهم وسط بين العزم والخطرات التي لا تندفع اهـ.
قال في المفهم: كان هذا الهم من النبي صلى الله عليه وسلم بحكم النظر المصلحي لا بالوحي، ألا ترى كيف عرض عمر بن الخطاب عليه مصلحة أخرى ظهر للنبي صلى الله عليه وسلم رجحانها فوافقه عليها؛ وعمل بها ففيه دليل على العمل الصالح وعلى سماع رأي أهل العقل والتجارب، وعلى أن الأزواد والمياه إذا نفدت أو قلت جمع الإمام ما بقي منها وقوتهم به سواء، وهذا كنحو ما مدح به النبي صلى الله عليه وسلم الأشعريين فقال: "الأشعريون إذا قل زادهم جمعوه فاقتسموه بينهم بالسوية