كتفيه ليستيقظ من غفلته، ويمكن أيضًا أن يكون مراده أني أقضي فيكم بهذا الحديث رغم كراهيتكم له فإن أبا هريرة قال ذلك حين كان يلي إمرة المدينة من قبل مروان، ذكره الحافظ عن إمام الحرمين والله أعلم. والمعنى أي لأحدثنكم بتلك المقالة التي استثقلتم سماعها من غير مبالاة بكم ولا تقية منكم وأوقعها بينكم كما يوقع السهم بين الجماعة يعني أنشرها في محافلكم حتى تقبلوها وتعملوا بها من غير مبالاة للومة لائم منكم.
ففيه من الفقه تبليغ العلم لمن لا يريده ولا استدعاه إذا كان من الأمور المهمة ويظهر منه أن أبا هريرة كان يعتقد وجوب بذل الحائط لغرز الخشب وأن السامعين له لم يكونوا يعتقدون ذلك، وأما رواية لأضربن بها أعينكم فهي على جهة المثل الذي قُصد به الإغياء في الإنكار لأنه فهم عنهم الإعراض عما قال والكراهة فقابلهم بذلك، والرواية المشهورة أكتافكم بالمثناة الفوقية جمع كتف وهو ما بين الظهر والعنق، ورُوي (أكنافكم) بالنون كما في الموطإ من رواية يحيى الليثي جمع كنف وهو الجانب ولكن أكثر الروايات على الأول.
وقوله:(لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره) اختلف العلماء في تمكين رب الحائط من هذا عند السؤال فصار مالك في المشهور عنه وأبو حنيفة إلى أن ذلك من باب الندب والرفق بالجار والإحسان إليه ما لم يضر ذلك بصاحب الحائط ولا يُجبر عليه من أباه متمسكين في ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه" رواه أحمد والبيهقي والدارقطني، ولأنه لما كان الأصل المعلوم من الشريعة أن المالك لا يُجبر على إخراج ملك عن يده بعوض كان أحرى وأولى أن لا يُخرج عن يده بغير عوض وصار آخرون إلى أن ذلك على الوجوب ويُجبر من أباه عليه وممن ذهب إلى ذلك الشافعي وأحمد بن حنبل وداود بن علي وأبو ثور وجماعة، والقول الأول هو الأصح لأنه الذي تشهد له الأصول الشرعية.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
٣٩٩٨ - (٠٠)(٠٠) (حدثنا زهير بن حرب حدثنا سفيان بن عيينة ح وحدثني أبو