يومًا تاليًا ليومها الذي هي فيه أي لا يعرف أحد من الناس ماذا يفعل غدًا وماذا يحصل له فيه من خير أو شر ووفاق وشقاق وربما يعزم على خير فيفعل الشر وبالعكس، والمعنى أي وما تدري نفس من النفوس كائنة ما كانت من غير فرق بين الملائكة والأنبياء والجن ماذا تكسب غدًا من كسب دين أو كسب دنيا ({وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ}) من النفوس وإن أعملت حيلها ({بِأَيِّ أَرْضٍ}) ومكان ({تَمُوتُ}) أي لا تدري أين مضجعها من الأرض أفي بحر أم في بر أفي سهل أم في جبل كما لا تدري في أي وقت تموت وإن كانت تدري أنها تموت في الأرض في وقت من الأوقات وربما أقامت بمكان ناوية أن لا تفارقه إلى أن تدفن به ثم تدفن في مكان لم يخطر لها ببال قط وأنشدوا:
إذا ما حِمامُ المَرْء كان ببلدة ... دعته إليها حاجة فيطير
ومن ادعى أنه يعلم شيئًا من هذه الخمس فقد كفر بالقرآن لأنه خالفه.
({إِنَّ اللَّهَ}) سبحانه وتعالى ({عَلِيمٌ}) يعلم الأشياء كلها هذه الخمسة وغيرها ({خَبِيرٌ}) يعلم بواطنها كما يعلم ظواهرها.
(فإن قلت) لم عد هذه الخمسة المذكورة في الآية مع أن كل المغيبات لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى.
(قلت) خصها لما أن السؤال عنها كثر كما ذكر في سبب النزول وكان أهل الجاهلية يسألون المنجمين عن هذه الخمسة زاعمين أنهم يعرفونها وتصديق الكاهن فيما يخبره من الغيب كفر لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أتى كاهنًا فصدقه فيما يقول فقد كفر بما أنزل الله على محمد" والكاهن هو الذي يخبر عن الكوائن في مستقبل الزمان ويدعي معرفة الأسرار.
قال ابن العربي: فليس لأحد أن يدعي علم إحداها فمن قال ينزل المطر غدًا أو أكسب فيه كذا كفر، وإن استند في نزول المطر إلى أمارة فإن الله تعالى لم يجعل لواحدة منهن أمارة إلا ما جعل للساعة وكذلك إن ادعى علم ما في الرحم إلا أن يستند في ذلك إلى التجربة كقول الطبيب إن كان الثقل في الجانب الأيمن أو كانت حلمة ثديها الأيمن هي السوداء قالوا ولد ذكر وإن كان أحد الأمرين في الأيسر فالولد أنثى، وقال أيضًا وليس قوله تكسف غدًا من ذلك لأن الكسوف يعرف بالحساب لكن قال علماؤنا يؤدب لتطريقه الشك للعوام. انتهى