(قالت) عائشة (فقلت: يا رسول الله ما عندنا شيء، قال: فإني صائم) وهذا يدل على جواز نية النفل في النهار وبه قال الأكثرون، وقال مالك وداود: يجب التبييت كما في الفرض لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل" وتأول البعض حديث الباب على أن سؤاله: هل عندكم شيء، لكونه كان نوى الصوم من الليل ثم ضعف عنه وأراد الفطر لذلك، قال النواوي: وهو تأويل فاسد وتكلف بعيد، قال الخطابي: في الحديث نوعان من الفقه أحدهما جواز تأخير نية الصوم عن أول النهار إذا كان تطوعًا، والآخر جواز إفطار الصائم قبل الليل إذا كان متطوعًا به، ولم يذكر في الحديث إيجاب القضاء، وكان غير واحد من الصحابة يذهب إلى ذلك منهم ابن مسعود وحذيفة وأبو الدرداء وأبو أيوب الأنصاري رضي الله عنهم وبه قال الشافعي وأحمد بن حنبل، وكان ابن عمر لا يصوم تطوعًا حتى يجمع من الليل، وقال جابر بن زيد: لا يجزئه في التطوع حتى يبيت النية، وقال مالك بن أنس في صوم النافلة: لا أحب أن يصوم أحد إلا أن يكون قد نوى الصيام من الليل اهـ من العون (قالت) عائشة (فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) من عندنا (فأُهديت لنا) أي أُرسلت لنا من بعض الجيران (هدية أو) قالت (جاءنا زور) والشك من الراوي، والزور هو مصدر بمعنى الزائر كعدل بمعنى العادل أو جمعه كركب وراكب كما في النهاية، قال النواوي: معناه جاءنا زائرون ومعهم هدية أو أُهدي لنا بسببهم هدية اهـ. قال الشيخ أبو الحسن السندي: قوله (فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) ظاهره أنه عطف على (قال إني صائم) فيفيد أنه كان نوى الإفطار في ذلك اليوم، ومفاد الرواية الآتية أن الإفطار كان في يوم آخر، قال النواوي: وهاتان الروايتان حديث واحد، والثانية مفسرة للأولى ومبينة أن القصة في الرواية الأولى كانت في يومين لا في يوم واحد كذا قاله القاضي وغيره اهـ، ولم يبين وجه التوفيق ولعل وجهه أن يقال كلمة فاء العطف بمعنى ثم للدلالة على أن الواقعة الثانية كانت بعد الأولى أي ثم بعد أيام خرج يومًا آخر أو هي بمعناها للدلالة على أن الواقعة كانت بعد الواقعة الأولى بقليل؛ أي فبعد ذلك بقليل من الأيام خرج يومًا آخر، ويمكن أن يقال القصة كانت في يوم واحد، ومرادها بقولها ثم أتانا يومًا آخر أي وقتًا آخر حملًا لليوم على الوقت وهو شائع، ووحدة اليوم كانت سببًا لاهتمام عائشة بما