(فانتهرهما أبو بكر) أي زجرهما عن الغناء بكلام غليظ بحضرته صلى الله عليه وسلم (فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه) أي أزال الثوب عن وجهه الشريف كما هو الظاهر من لفظ البُخَارِيّ (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر (دعهما) أي دع الجاريتين واتركهما على غنائهما (يَا أَبا بكر فإنَّها) أي فإن هذه الأيام (أيام عيد) فيجوز فيها إظهار السرور بالغناء وضرب الدفوف (وقالت) عائشة بالسند السابق، وهذا حديث آخر، وقد جمعه مع السابق بعض الرواة وأفردهما آخرون (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه) عن أعين النَّاس (وأنا) أي والحال أني (أنظر إلى الحبشة وهم) أي والحال أن الحبشة (يلعبون) في المسجد بالدرق والحراب (وأنا جارية) صغيرة أحب النظر على اللعب، قال النواوي: معناه أنها تحب اللهو والتفرج والنظر إلى اللعب حبًّا بليغًا وتحرص على إدامته ما أمكنها ولا تمل ذلك إلَّا بعد زمن طويل، وفيه دليل على جواز نظر النساء إلى الأجانب من الرجال على مثل هذه الحال التي قد أمنت المفاسد والفتن فيها، وإنكار عمر عليهم تمسك منه بالصورة الظاهرة كما قلنا في حق أبي بكر رضي الله عنهما، وفيه أبواب من الفقه لا تخفى اهـ من المفهم.
(فاقدروا) بضم الدال وكسرها من القدر بمعنى التقدير أي قدروا حالي في الرغبة في اللهو (قدر) حال (الجارية) أي الشابة (العربة) -بفتح العين وكسر الراء- أي المشتهية للعب الحريصة عليه المحبة للنظر إليه (الحديثة السنن) أي القليلة السنن الصغيرة العمر أي قيسوا حالي بحالها في حداثة سنها وحرصها على اللهو ومع ذلك كنت أنا هي التي تمل وتنصرف عن النظر إليه والشعبي صلى الله عليه وسلم لا يمسه شيء من الضمير والإعياء رفقًا بها وحفظًا لقلبها.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: