ويُفَتِّشُون عن رجالهِ ورُواتِه هل هم من الثقات أم من الضعفاء؟ فيقبلون الحديثَ عَمَّن رواه، ولا يقولون له: مَنْ رواه لك؟ حتى كَثُرَت البدعةُ وانتشر أهلُها من الروافضِ والشِّيعةِ ومن المُرْجئة والقَدَرِيَّة.
وعبارةُ القرطبي هنا: (قولُه: "لم يَكُونُوا يَسْأَلُون عن الإِسْنَادِ" يعني بذلك: مَنْ أَدْرَكَ من الصحابةِ وكُبراء التابعين.
أمَّا الصحابةُ: فلا فَرْقَ بين إِسنادِهم وإِرسالِهم؛ إِذِ الكُلُّ عُدُولٌ على مذهب أهل الحقّ، كما أوضحناه في الأُصول، وكذلك كُلُّ مَنْ خَالفَ في قَبُولِ مراسيلِ غيرِ الصحابةِ .. وَافَقَ على قبول مراسيل الصحابة.
وأمَّا كُبَراءُ التابعين ومُتَقَدِّمُوهم: فالظاهرُ مِنْ حالهم أنهم يُحَدِّثُون عن الصحابة إِذا أرسلوا .. فتُقْبَلُ مراسيلُهم، ولا ينبغي أنْ يُخْتَلَفَ فيها؛ لأن المسكوت عنه صحابيٌّ، وهم عُدُولٌ، وهؤلاء التابعون هُمْ كعُرْوةَ بنِ الزُّبَيرِ وسعيدِ بنِ المُسَيّب ونافعٍ مولى ابنِ عُمَرَ ومحمدِ بنِ سيرين وغيرِهم ممَّنْ هو في طبقتهم.
وأمَّا مَنْ تأَخَّرَ عنهم ممَّن حَدَّثَ عن مُتَأخّري الصحابة وعن التابعين .. فذلك مَحَلُّ الخلاف، والصوابُ: قبولُ المراسيلِ إِذا كان المُرْسِلُ مشهورَ المَذْهَب في الجَرْح والتعديل، وكان لا يُحَدِّثُ إلا عن العُدُولِ كما أوضحناه في الأُصول) اهـ (١).
(فلَمَّا وَقَعَتِ الفتنةُ) وانتشرت البدعةُ وكَثُرَ أهلُها ( .. قالوا) أي: السَّلَفُ الصالحُ مِنْ أهلِ السُّنَّة لكُلِّ مَنْ يروي لهم الحديثَ: (سَمُّوا لنا رِجَالكُمْ) أي: اذْكُرُوا لنا أسماءَ رِجالِكم الذين حَدَّثُوكم هذا الحديثَ وأخذتموه منهم؛ لنَعْرِفَ هل هم من الثِّقاتِ فنأخذَ حديثَهم؟ أو من الضُّعفاءِ فلا نَغْتَرَّ بحديثِهم؟ وهذا معنى قوله:(فيُنْظَرُ إلى) أنهم مِنْ (أهلِ السُّنَّة) والجماعةِ (فيُؤْخَذُ) ويُقْبَلُ حينئذٍ (حديثُهم) ويُعْمَلُ به، (وينْظَرُ إلى) أَنَّهم مِنْ (أهلِ البِدَعِ) والضَّلالةِ من الروافضِ والشِّيعةِ، جَمْعُ بِدْعَةٍ،