للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الولوغ وماء، لعموم الأمر في ذلك، وأما مالك -رحمه الله- فلأنه لا يرى نجاسته ويرى أن الغسل تعبدي فالصحيح عنه أن الماء يراق لسهولة أمره، وأما الطعام عنده فلا يراق لما فيه من الإفساد. قال ابن عبد البر في الاستذكار: (فجملة مذهب مالك عند أصحابه اليوم أن الكلب طاهر وأن الإناء يغسل منه عبادة ولا يهراق شيء مما ولغ فيه عن الماء وحده ليسارة مؤنته، وأن من توضأ به إذا لم يجد غيره أجزاه. قال: واحتج أنه يؤكل صيده فكيف يكره لعابه، وقال مع هذا كله: لا خير فيما ولغ فيه الكلب لا يتوضأ به أحب إليّ. قال: وقد روى عنه ابن وهب أنه لا يتوضأ بما ولغ فيه كلب ضاريًا كان الكلب أو غير ضار، ويغسل الإناء منه سبعًا. قال: وقد كان مالك .. أمره يفرق بين كلب البادية وغيره. وقال داود: سؤر الكلب طاهر وغسل إناء منه سبعًا فرض إذا ولغ فيه وما في الإناء من طعام أو شراب أو ماء فهو. . . يؤكل الطعام ويتوضأ بذلك الماء ويغسل سبعًا لولوغه فيه) اهـ من الاستذكار. قال ابن عبد البر: "حدثنا عبد الوارث بن سفيان ثم ساق بسنده إلى الأوزاعي وعبد الرحمن بن نمر أنهما سمعا ابن شهاب الزهري يقول في إناء قوم ولغ فيه كلب فلم يجدوا ماء غيره، قال: يتوضأ به، قال الوليد: فذكرته لسفيان فقال: هذا والله الفقه يقول الله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} وهذا ماء، وفي النفس منه شيء فأرى أن يتوضأ منه ويتيمم". اهـ. قلتُ: وهذا يدل على أن مذهب الزهري وسفيان عدم القول بالنجاسة في الكلب وفيما ولغ فيه؛ لأن نجاسة ما ولغ فيه الكلب تتوقف على الحكم بنجاسته ولا دليل عليها أصلًا إلا ذلك كما تقدم.

ومن هذا يتبين حكم المسألة الثانية من المسألتين السابقتين، وتقدم أن جمهور الفقهاء يقولون: بالنجاسة في الماء وغيره مما ولغ فيه الكلب وكذا في الكلب استلزامًا، منهم الشافعي وأحمد وأبو حنيفة والطبري وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور، إلا أن أبا حنيفة لا يشترط السبع في الغسلات، وقال الثوري، والليث بن سعد مثل قول أبي حنيفة: يغسل الإناء حتى تتحقق إزالة النجاسة ولا يتعين العدد وقد ضعَّف الجمهور هذا القول، وفرَّق الأوزاعي بين سؤر الكلب في الإناء وفي غيره: كالظاهرية فقصر الحكم على الإناء. والله أعلم.

والذي يترجح عندي في المقام: أن مسألة ولوغ الكلب والخلاف فيها

<<  <  ج: ص:  >  >>